بحكم متابعة أعمال الزراعة وموسم قطف «الخلال والرطب» من أشجار النخيل في نهاية أغسطس من كل عام نضطر للذهاب ظهرا لمزارعنا في منطقة العبدلي (١٠٠ كم شمال الكويت) تحت درجة حرارة ما بين (50 و52 درجة مئوية) وتحت رحمة هبوب رياح «البوارح» شديدة الحرارة وأحيانا كثيرة تلازمنا موجة الغبار التي تكون غالبا على أشدها في هذا الزمان.
بعد تجاوز منطقة الجهراء يسارا وعبور تلال المطلاع، يستقبلك يمينا ويسارا بائعو الآيس كريم (البرد) وقد اصطف احدهم يمينا والآخر يسارا بعرباتهم الصغيرة المتهالكة ينتظرون (الفلس الحلال) ورزقهم المقسوم من مرتادي هذا الطريق.
تساءلت: كيف يستطيع هؤلاء الباعة الوقوف والصمود تحت حرارة الشمس المحرقة؟ وما مستوى الربح اليومي الذي يجنيه هؤلاء من بيع الآيس كريم حتى يضحوا بصحتهم؟ في الوقت الذي اختفى كل الباعة الذين يكتظ بهم هذا المكان بدءا من منتصف أكتوبر حتى مايو وهم يفترشون الأرض بأنواع مختلفة من الفواكه الطازجة ولوازم البر.
تستمر السيارة في السير شمالا بعد أن أطلقت العنان لتفكيري في التحليل والبحث عن ماهية سبب وقوف هؤلاء الباعة تحت هذه الظروف، خطفت أنظاري لوحة إرشادية خضراء توسطت طريقي الذهاب والعودة كتب عليها (25) بمعنى أني قطعت مسافة خمسة وعشرين كيلومترا باتجاه منطقة العبدلي ليسرق ناظري وقوف عربة آيس كريم أخرى على حافة الطريق يمينا وقد جلس بجانبها البائع موجها ناظريه نحو السيارات القادمة لعل احد أصحابها اكتوى بلهيب الحر أو الظمأ ويقف لشراء ماء باردا يبرد عليه أو على احد ركابه!! تمر السيارات مرور الكرام، ويزداد لهيب الحر عليه شدة، لتحول مكان رزقه إلى كومة لهيب اختلطت بغبار يجوب الصحراء على أجنحة لواهيب صيف الكويت وحصى تطاير عليه تقذفه إطارات السيارات المسرعة الهارب أصحابها من قساوة الطقس الحار دون ان يقف احدهم لشراء (برد) أو حتى ماء بارد.
يقاوم هذا البائع ما نعجز نحن عن مقاومته.
يطول الطريق بي حتى أدركت احد المداخل الرئيسة لمزارع العبدلي لأفاجأ بوقوف عربة آيس كريم أخرى يقف صاحبها على حافة الشارع يقتل طول انتظاره استخدام جهازه الذكي وهو غارق في التجول ومشاهدة مواقع مختلفة، بدا محياه بابتسامة وهو يقرأ محتوى الرسائل وتصفح مواقع مختلفة حتى أغفل بسببها وقوف قائد إحدى المركبات للشراء منه.
لم أتمالك نفسي فأجبرني فضولي بالتوقف بالقرب منه ليتوجه نحوي مسرعا معتقدا بأني سأشتري منه (برد) لكن سرعان ما تدارك الأمر واستمع لسؤالي: ممكن تخبرني كيف تستطيع الوقوف تحت درجة حرارة فاقت الخمسين درجة مئوية؟ ومن هم زبائنك الذين تنتظرهم، لقد طويت مسافة تعدت خمسين كيلو مترا ولم أشاهد سيارة تقل أطفالا أو عائلات؟ قال: لقمة العيش!! قلت: يمكن لك أن تبحث عن لقمة العيش في مكان وزمان أفضل من مكانك هذا؟ قال: أتمنى ذلك لكن..
النصيب والبحث عن الرزق الحلال! لم اقتنع من إجابته!! في هذه اللحظة قفز لذاكرتي (الطراروة) الذين يقفون أمام بيوت الله يستدرون عطف المصلين للاسترزاق منهم فقارنت بينهم وبين بياع البرد، فقادني المنطق إلى أن بياع البرد أفضل من الطرار.