«لو كان الفقر رجلا لقتلته» مقولة تعكس واقعا يعيشه الفقراء ولنا في هذا الأمر حكاية.
كلفت يوما للقيام بجولة ميدانية لتفقد المشاريع الخيرية في إحدى الدول الآسيوية.
توجهنا صباحا إلى أول مشروع وهو عبارة عن مجمع ضخم لرعاية الأيتام تتوافر فيه كل مقومات الحياة الكريمة بالإضافة إلى ملاحق للأرامل الثكالى، يبعد هذا المشروع مسير ساعتين بالسيارة، في هذه الأثناء وقبل الوصول بعدد من الكيلو مترات أشار مضيفنا إلى القرى والأكواخ المتاخمة للطريق يعيش أفرادها تحت مستوى خط الفقر، يعانون ويلات الأمراض والموت والتشرد وبسببه يتعرضون لشتى أصناف انتهاكات حقوقهم كبشر، فالعيش لا يطاق بسبب انعدام أبسط مقومات الحياة وسط عجز تام للسلطات المعنية عن إنقاذ الأطفال والشيوخ والنساء من أوضاعهم المأساوية التي تشتد خطورة في حال الأمطار الموسمية والكوارث الطبيعية التي تزيد من كربهم ومحنهم.
يكمل مضيفنا حديثه: بعد أن وافقت السلطات المعنية على تخصيص أرض لتنفيذ وبناء مشروعنا الخيري نحقق من خلاله هدفنا في بسط العيش الآمن للأيتام، بدأنا في احضار مواد البناء وتنفيذ المراحل الأولى للمشروع ففوجئنا يومها بقيام الجهات المعنية في تلك الدولة باتخاذ خطوات مماثلة بتنفيذ خطة عمل جبارة لإنقاذ تلك القرى وقاطني الأكواخ المهترئة من مآسيهم ومحنهم فبدأت في شق الطرق وتعبيدها وإيصال التيار الكهربائي لها وبناء المستشفيات والمدارس لتستبشر تلك المجتمعات بزوال كوابيس المرض والموت المحتوم، وبدأت عجلة حياة جديدة تدور، قوامها تحقيق الحد الأدنى من متطلبات العيش الآدمي التي كانت يوما أضغاث أحلام! فكان لمجيئنا فاتحة خير وعلى السلطات الرسمية التي رأت في عزيمتنا وجهودنا ببناء مجمع للأيتام إزالة حمل ثقيل عن كاهلها بإنقاذ الأيتام والأرامل وتخفيف المعاناة عنهم بتحمل الكويت جزءا كبيرا بإنقاذ الفقراء، وأن الدور الذي تلعبه الكويت لا يقتصر على بناء مجمعا للأيتام لتكسي أجسادهم العارية وتسد أفواههم المشرعة بل هو بمنزلة (قبلة الحياة) أعادت لشرايين الفقراء مجرى الدم والى قلوب سقيمة نبضها تماما كما دفعت بالسلطات المعنية همتها وعزيمتها.
فجأة صمت مضيفنا، أخنقته عبرة لذكرى (سالفة ذلك الطفل) ثم نطق بعزيمة التحدي قائلا: كنا يوما نتفقد أحوال الفقراء في إحدى القرى القريبة من مجمع دور الرعاية الذي انتهينا من بنائه وإذ بأحد الأطفال يسأل سيدة تقف بقربه بعد أن عرف سبب قدومنا وهو تجميع الأطفال اليتامى لتسكينهم في المجمع الجديد.
أيكون لي حظ في الذهاب معهم؟ فقالت له السيدة لا.. فأنت طفل لأب موجود وأم متوفاة ولا تنطبق عليك الشروط.
ظل هذا الفتى يحلم بالانضمام إلى أطفال مجمع الأيتام! وذات يوم كررنا الزيارة لتلك القرية وإذ بالسيدة نفسها تأتي لنا مسرعة وهي تقول: أتذكر ذلك الطفل الذي كان يطلب انضمامه لمجمع الأيتام؟ قلت نعم.
قالت: يأتيني كل يوم سائلا: متى (يموت) والدي؟ فأنهره عن ذلك السؤال لكن فضولي أجبرني على معرفة السبب فأدركت منه غريب المقصد والمعنى: بقوله حتى أعيش في مجمع الأيتام الكويتي! بكت المرأة وأبكتني معها.
ليس هناك غريب في الأمر، إنها الكويت ذراع لكل من ليس له راع، وراعي نهضتها للإنسانية العالمية أمير وإنسان.