بالرغم من أن رابطة الدم في عالمنا العربي أقوى من رابطة الدولة، بل ان قدرتها في كثير من الأحيان تتجاوز كل الحدود المصطنعة بين الدول، إلا أن الدم في حد ذاته أحد أسباب تحول العلاقات الإنسانية من الأخوة إلى العداء ومن الاتفاق إلى الشقاق ومن وحدة الموقف إلى الفرقة والتنابذ ومن التسامح إلى الثأر.
لم تفارق قصيدة «لا تصالح» للشاعر العظيم أمل دنقل ذهني وأنا أتابع أخبار الأحداث الدامية على الحدود المصرية مع قطاع غزة، وخصوصا المقطع الذي يقول فيه دنقل:
أكل الرؤوس سواء؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟
أعيناه عينا أخيك؟
وهل تتساوى يد.. سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلك؟
المشهد على الحدود يندى له الجبين، متظاهرون يرشقون قوات حرس الحدود المصرية بالحجارة، وآخرون يتسلقون الأسلاك الحدودية الشائكة، قناصة مسلحون على البنايات في الجانب الفلسطيني والقاسم المشترك الأعظم بين الجماعات الثلاث هو سب مصر حكومة وشعبا، وهتافات تقول: الموت للخونة والعملاء.
ضغطة جبانة على الزناد، حولت هدف المقاومة من العدو إلى الشقيق، ومن القاتل إلى الداعم، وبالتالي تحولت رابطة الدم من النقيض إلى النقيض، رصاصة القناص أخطأت جنود الاحتلال الإسرائيلي لتستقر في رأس جندي بريء من قوات حرس الحدود المصرية اسمه أحمد شعبان كل جريمته انه صعد لأعلى برج المراقبة على الحدود المصرية ـ الفلسطينية ليقوم بخدمة روتينية، اعتاد عليها منذ تجنيده.
دعونا نبحث عن الجريمة التي اقترفتها مصر ليكون ذلك جزاءها، جزاء سنمار، قياديو حماس يصرون على أن الجدار الذي تبنيه مصر على حدودها هو ما أجج مشاعر العداء في الشارع الفلسطيني تجاه مصر، أليس ذلك من القرارات السيادية لكل دولة على حسب ما تقتضيه رؤيتها الأمنية والإستراتيجية؟ وإذا كان لإحدى دول الجوار رأي أو رجاء في قرار سيادي فالحوار والتفاوض ولا شيء غيرهما هما السبيل الوحيد لتقريب وجهات النظر، أما الغوغائية والأفعال الصبيانية فلا مجال لها وعادة ما تكون وخيمة العواقب.
تضارب التصريحات في أعقاب تلك الأحداث المخزية يثير علامات استفهام كبيرة فالرئيس الفلسطيني يؤكد أن الجدار قرار سيادي وأن مصر تسمح بعبور كل المساعدات لغزة، تلك هي تصريحات الرئيس، أما حماس التي دعت للمؤتمر الشعبي على الحدود في مبادرة لا تخلو من الشبهة وتكون المحصلة اعتداءات وهتافات ودماء في غياب سيطرة قوات الأمن في القطاع بقصد أو دون قصد.
عبرت قافلة «شريان الحياة 3» وسط استقبال رسمي وشعبي حافل على الجانب الفلسطيني وجرح عميق سيكون من الصعب أن يندمل على الجانب المصري. مخطئ كل من يتصور أن مصر خضعت للدماء وتردي الأوضاع على الحدود كما يشيع بعض قياديي حماس، الحقيقة يا سادة أن الحكومة المصرية ترفعت عن الصغائر واستجابت لنداء الجرحى والمرضى والجياع كعادتها، لكن الحقيقة الواحدة التي ستبقى ولن ننساها جميعا هي الدماء التي تعزز من ضرورة وجود الجدار بقرار شعبي بعد ما كان بقرار حكومي.
[email protected]