في قديم الزمان وفي يوم من الأيام الكويتية الهادئة الرتيبة كانت الحياة تعج في النهار، لارتباطه بالنور والجد ومحاربة الظلام، كان هناك ولد كويتي اسمه عبداللطيف يذهب إلى بيت جده عبدالله بعد أن ينهي عمله في المساء ليقضي له حوائجه، فقد كان الجد عبدالله رجلا طاعنا في السن وكان ضريرا لا يقوى على الحراك وحده، خصوصا بعد استقلاله عن محيطه بملء إرادته.
وفي أحد الأيام ذهب عبداللطيف على غير عادته نهارا إلى جده، وحين دخل عليه وجد حية كبيرة سامة تحوم حول الجد الذي كان يجلس في هدوء ولا يحرك ساكنا، أخد عبداللطيف العصا وهرول ليضربها، لكن إشارة جده عبدالله سبقته لتشير عليه بالوقوف.
استغرب عبداللطيف من تصرف جده، فالحية تدور حوله، إنها تقترب منه وهو لا يحرك ساكنا. خاف عبداللطيف من أن جده لا يعرف ما يحيط به، وهم مرة أخرى ليصرخ وينبهه، لكن جده أشار له بإشارة محكمة أن اصمت! صدم عبداللطيف من جده: هل هو ضرير أم مبصر؟ وما سر هدوئه هذا؟!
لحظات تمر عصيبة وعبداللطيف يراقب حتى تسلقت الحية أفخاذ الجد ثم إلى فوق كتفه فإلى رأسه وبعدها إلى النافذة التي كانت تعلوه، ثم ذهبت بعيدا.
تنفس الولد الصعداء، وقال: جدي هل أصابك من مكروه؟ لقد أفزعني ما رأيت أهو حق أم خيال؟ الحمد لله الذي أنجاك.
الجد وبهدوء مجيبا: لقد اعتدت عليها يا عبداللطيف ولم تعد تفزعني أو تؤذيني، إن هذا يا بني يتكرر كل ليلة من ليالي الكويت، ولكنك لا تراه، لأنك اعتدت زيارتي في الظلام، أما اليوم فقد رأيته لأنك زرتني في الصباح، انكب عبد اللطيف على جده ليقبل رأسه وكتفه، وفهم البصيرة التي لا يراها الأولاد في مثل سنه.
وهنا طلب عبد اللطيف من الجد أن يأتي إليه كل يوم نهارا لا ليقضي حوائجه، بل ليغرف من حكمته ويدونها دستورا له ولغيره.