كم مرة قفز عليك شخص ما، إما فضولي، وإما سليط اللسان، فإذاك بتطفله، أو ببذاءته، بقصد أو بغير قصد، قد يبدو لك **ساعتئذ أنك لا تملك إلا خيارين، وهما: أن تحاول كفه، أو تقتص منه بالرد عليه، ولكن ماذا لو وافق؟ وأنت تتردد بين هذا الخيار وذاك، ان سمعت، أو قرأت قول الشاعر الحكيم:
لو أن كل كلب عوى ألقمته حجرا.. لأصبح الصخر مثقالا بدينار
ماذا ستجد في خوالج نفسك؟!
إني لعلى ثقة بأنك ستهدأ، وربما تبتسم، وقد تنسى ذلك الأمر برمته، وبهذا تكون قد اخترت خيارا عقلانيا أخلاقيا تسمو به عن سلوك الجهل والتناطح، لأنك حينئذ قد تخيلت أذى السفيه نباح كلب، يجب عليك أن تترفع عنه، لأنك تحترم إنسانيتك، وتدرك في الوقت نفسه- أنه من الطبيعي أن تصدر الكلاب نباحا سواء جهتك أنت أم في جهة أخرى. إن الشاعر يقول لك- ناصحا ومرشدا: لا تبتئس إذا ما ابتليت بمن ينهشك ويتجرأ عليك، فما دمت تخرج هنا وهناك، وتتحدث وتسمع، وتشارك غيرك الحياة، فإنك عرضة لبعض المواقف السخيفة التي ستواجهك مع الأسف في يوم ما، بما في ذلك نباح الكلاب!
ومما يحكى أن يهوديا معه كلب لقي إبراهيم بن أدهم - رحمه الله - فقال: ألحيتك يا إبراهيم أطهر أم ذنب هذا الكلب؟ - وكان يريد أن يغضبه بهذا السؤال - فقال إبراهيم بن أدهم: إن كانت في الجنة لهي أطهر من ذنب كلبك، وإن كانت في النار لذنب كلبك أطهر! فقال اليهودي- وقد فوجئ بحلمه وسعة صدره وحسن إجابته: والله إن هذا لمن أخلاق الأنبياء.
ومما يروى للشافعي، رحمه الله:
قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم
إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف
وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة
والكلب يخشى لعمري وهو نباح
إن الشعر الحق ليخرج من قلوب شفافة تلتقط دبيب المشاعر، ومن عقول يقظة تقتنص ذرات الخواطر، والقارئ الحصيف هو الذي يخرج من دواوين الشعر بما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة.
ودع ما مضى وانظر بعين بصيرتك إلى قوله تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين). ألا ترى أن تلك الومضات الشعرية تستحيل رمادا أمام أنوار القرآن الكريم[email protected]