من دأب الأطفال حين يقع بينهم خلاف أن يستفتوا أكبر شخص يعرفونه من أعمامهم أو أخوالهم وإذا ما تكلم هذا الكبير بكلام أيا كانت المعلومات التي قالها فيه فإن جميع الأطفال سيذعنون ويسلمون بهذه الحقيقة التي خرجت من فم هذا الكبير وحتى الذين لم يأت الحكم وفق ما يشتهون لن يستطيعوا أن ينبسوا ببنت شفة، فلو أن مجموعة من الأطفال التقوا في مناسبة اجتماعية ثم دب بينهم الخلاف لماذا لا تطير الدجاجة؟ فقالت مجموعة لأنها تظن أن السحب عفاريت متى طارت ستأكلها، وقالت مجموعة أخرى لأنها تعتمد في غذائها على الناس حتى أن أهل البيت يوفرون لها القن الذي تستكن فيه، ولأنها نشأت عالة على غيرها منذ أن خرجت من البيضة وتربت على ذلك لم يعد لجناحيها قيمة فكانتا معطلتين وكأنهما لم يكونا قط، ولما احتدم النقاش واشتد وبلغ التشابك بالأيدي إذا بهم يهرعون إلى كبير من الأسرة فما كان منه إلا القول الفصل الذي سلم به الجميع، وهو أن الدجاجة لا تعلم متى تبيض فلا تطير خوفا من أن تبيض فجأة وهي طائرة فينكسر بيضها، وأما الديك فإنه يتظاهر بعدم القدرة على الطيران ليتسنى له مراقبة الدجاجة واحتراما لتضحيتها بعدم الطيران من أجل كتاكيته، وبعد هذا الكلام يطبع كل الأطفال قبلة على جبين هذا الكبير وأنفه ويصبح الخوض في هذه القضية بينهم محرما فيما بعد وكأن العربي القديم كان يعنيهم ويعنينا في قوله:
إذا قالت حذام فصدقوها - فإن القول ما قالت حذام
ونحن الشعوب العربية هذا حالنا منذ القدم قلما تتاح لنا فرصة الحوار البنّاء والنقاش الموضوعي الهادئ وتقبل خلاف الآراء، بل وتحبيذ الاختلاف لا الخلاف، فعلى مختلف الأصعدة تجد أننا نصبنا لنا كبيرا «حذام» لا يمكن بحال أن يتجرأ فرد لمخالفته ومحاورته وتبادل الرأي معه سواء في الأسرة أو في المدرسة أو في الدين أو في السياسة حتى بلغ بنا الحال ما نحن عليه اليوم، ولن يكون الغد إلا أسوأ حالا من اليوم ما لم نتدارك هذا الانحدار بتوعية شاملة ينهض فيها كل فرد منا بما يستطيع كل في موقعه وقدرته، وأحسب أن الجهد الأكبر يقع على عاتق الإعلام والتعليم لكي ينصلح حال المجتمع ومن ثم ينصلح حال النظام السياسي الذي متى فسد أفسد معه كل شيء، كما هو الواقع أمس واليوم ولكي لا يكون غدا أيضا علينا جميعا أن نعمل بصدق وإخلاص لكي نلحق بركب الأمم التي عانقت النجوم وأما نحن فتتهاطل علينا القنابل من السماء صباح مساء دون أدنى اكتراث!
[email protected]