إن مفهوم الوطن أكبر من مفهوم الدولة، فكما أن لك أما وأبا كذلك ولدت وأنت تشغل حيزا من المكان تعيش فيه، وتنفست فيه أول نفس، نبض به قلبك وعانق روحك، وهذا المكان الذي ولدت ونشأت فيه ولعبت وصادقت وتعلمت وكبرت سيبقى حبه يسكن نبض القلب حتى آخر خفقة له في هذه الحياة.
وكما يقال يولد البشر بعقول متشابهة ثم تختلف بحسب أساليب تعلمها وتنميتها، وكذلك مشاعر القلوب وطبائع النفوس، ومن ههنا ينبغي أن تتفقد ذاتك بين الحين والآخر ما الذي ازداد جمالا في عقلك وقلبك وما الذي ازداد قبحا، وليس من اليسير أن تستخرج من أعماق ذاتك شيئا من السلبيات ولكن من اليسير جدا أن تعدد مناقبك ثم تتجه إلى استخراج عيوب كل من عرفت ومن تعرف ومن ستعرف أيضا.
من الصعوبة بمكان أن ترصد ذاتك كيف كنت وكيف أنت الآن وكيف ستكون؟!
حاول فقط أن تدرك المؤثرات المباشرة وغير المباشرة التي أفضت بك إلى ما أنت عليه الآن في الفكر والشعور.
إن الأسرة غالبا ما تكون نسخة مطابقة لصورة المجتمع ترسم ملامحه بألوان يحددها عن قصد وغير قصد الإعلام والتعليم تبعا لرؤية النافذين فيه.
إن الإنسان له القدرة على أن يسمو عن كل المؤثرات التي تحول دون رؤية الواقع بصورة أدق وأوسع أفقا، يتحقق ذلك كلما ازداد يقظة ترتقي به لدرجة الحرية في التأمل والتحليق حيثما شاء تماما كما يتجرد النائمون في الأحلام عن قيود الواقع وقوانينه.
إن حب الوطن الذي استفتحت به المقال فطرة لا يمكن بحال من الأحوال أن تتبدل ولكن قد تعتري الفرد العادي بسبب التلوث السياسي بعض الأعراض السلبية تجاه الدولة وقد يقع اللبس عنده فيمس أصل حب الوطن في نفسه وهذا من أخطر ما قد ينتج عن سوء الأحوال السياسية المزمنة، فمهما سمعت ورأيت وقرأت من سلبيات بلغت حد الحضيض في الخصومات السياسية إياك أن تمس حب الوطن وجمال صورته في قلبك وعقلك فضلا عن أن تستنبت فيه بذورا ستكون ثمارها حتما مسمومة.
ضعوا حب الوطن في مأمن ثم تقاتلوا كما تشاؤون بسلاح الحكمة والوعي والصدق وقوة القانون فقط ودعوا ما عدا ذلك لأنه سيلوث القلوب والعقول وسيفسد ولن يصلح أبدا.
[email protected]