سألت طالبا جامعيا سيتخرج في الفصل الصيفي: ما عنوان آخر رواية قرأتها؟ فكان الجواب أنه لم يقرأ قط شيئا، ثم سألته ما عنوان آخر كتاب قرأته، فلم تسعفه محصلة ستة عشر عاما دراسيا من تذكر عنوان كتاب واحد؟! ثم إن هذا الطالب سريعا ما وجه لي بدوره سؤالا مباغتا لينأى به عن السؤال بذكاء وحسن تخلص فقال: وما فائدة قراءة (الرواة) وعلى هذا النحو نطقها؟!
فقلت: سأخبرك بآخر رواية قرأتها وهي رواية عالمية عنوانها «دون كيشوت» لأديب إسباني اسمه ميغيل دي ثربانتيس وقد كتبها قبل أربعة قرون، وهي تتحدث عن رجل أرستقراطي في منتصف العمر أولع فجأة بقراءة كتب الفرسان ثم إنه انكب على قراءتها إلى حد الهوس ثم إنه ما لبث أن أصيب بلوثة جنون أفضت به إلى تقمص دور البطولة في كل ما قرأ من قصص الفرسان حتى حمله هذا الوهم على القيام بمغامرات عدة لمحاربة الأشرار والظلم والعفاريت والتي كان من بينها حملة شنها وهمه على بعض الطواحين، وقد حاول مرارا التابع الذي كان يصحبه أن يثنيه عن فكرته ولكن هذا الفارس دون كيشوت كان يصر على أنها عفاريت الشر وليست طواحين، فما كان من التابع إلا تصديق وهم سيده وتكذيب عينيه، وكان الناس يسايرونه كلما أقبل عليهم ويتهكمون عليه ويتندرون على شطحات خياله وفرط جنونه إذا ما تولى عنهم.
أليست هذه الرواية القديمة جدا لها أبواب مشرعة على واقعنا المعاصر في جوانب شتى منه؟! أليس فينا من يصور بعض الطوائف المسلمة على أنها الشر المستطير الذي يتربص بِنَا ليل نهار ويوشك أن يبيدنا عن بكرة أبينا ويسعى جهده أن تكون طائفته هي السباقة لاستئصال شأفة الأعداء الألداء ويحرض عليهم السذج والمغامرين ومن لا عقل له؟!
رحم الله شوقي وكأنه يعنيهم في قوله:
أثر البهتان فيه وانطلى الزُّور عليه
يا له من ببغاء عقله في أذنيه
أليس هناك من مزق شعبه ويوشك أن يقوض حضارة عريقة كانت من قبله تتداعى وتترنح بحجة مطاردة الأشرار وكل من حوله يصفق له ويهتف باسمه؟!
أليس هناك من يرى نفسه المصلح الناطق بالحق وكل من تبوأ منصبا مرموقا من اللصوص الفاسدين الذين باعوا ضمائرهم؟! ولو أنك فتشت عن دون كيشوت لوجدته حاضرا بيننا والأنكى والأمر أن كثيرا من أتباعهم هم من ضحايا تخلف نظام التعليم العربي الذين لن ينصلح حالنا ماداموا لا يقرأون ولا يفكرون حتى وإن كانوا يحملون شهادات جامعية.
[email protected]