إذا نزل المطر جاء الربيع، وإذا خلت السماء من الغيوم فمن المحال أن تخضر القفار القاحلة، ومن الحماقة المتناهية أن يصدق الناس من يزعم أن الموسم موسم رغد وحصاد حتى إن رددتها نشرات الأحوال الجوية كل ساعة، ولكن كثيرا ما نصدق تلك الوعود التي تؤكد أن الغد «ربيع والجو بديع»، فثمة حقائق يراها عن كثب من يعيش في واقع الوطن بكل تفاصيله تناقض تلك الوعود.
فحقائق الواقع تشهد بأن شمس المستقبل توشك أن تشرق عن ظلام دامس، وكل من يعيش في وطن هو إرث أجداده ومستقبل حفدته ثم لا يعنى بكل ما فيه ويهتم له وينشغل به ويفكر فيه مشكوك في إنسانيته، ناهيك أن يعد مواطنا وفردا من أفراد المجتمع، ولكنه في حقيقة الأمر عالة وعبء على الأرض التي جعله القدر فيها كالصخرة الصماء والشجرة التي لا تثمر ومن هنا ينبغي أن نغرس في عقول وقلوب الجيل الجديد ليس حب الوطن فحسب وإنما الانشغال بقضاياه والمشاركة الإيجابية في كل شؤونه، فإن الحب الساذج قد يكون ضرره أكثر من نفعه.
إن للحضارة والتنمية والتطور ركائز ومقومات ومقدمات كما أن للتخلف والتدهور أسبابا وعللا ومن الضرورة بمكان الانشغال بتحقيق شروط وقواعد النهضة والتطور والتي من أهمها التصدي لكل ما من شأنه أن يقوض مستقبل هذا الوطن العزيز وأود أن ألفت النظر في هذا المقال إلى شيء من ذلك، ولعل من أخطر ما نرى تقهقر مستوى التعليم وتفشي الواسطة في كل مكان، ومن وجهة نظري السبب الرئيسي في ذلك كله الفساد السياسي القائم على تبادل المصالح بين الحكومة ومجلس الأمة، والمواطن هو الضحية في هذه اللعبة التي لم تنته أشواطها منذ أمد بعيد، المواطن يحتاج إلى النائب لكي تفتح له أبواب الحكومة والنائب يحتاج الحكومة لكي يحصل على أصوات الناخبين والحكومة تحتاج إلى النائب لكي لا يصاب رأسها بالصداع وهلم جرى حتى تفشى الفساد في مقاعد التعليم وفي أسرة المستشفيات وفي كل درجات سلم المناصب إلا ما ندر.
وإذا ما استمر الأمر على ما هو عليه فسيزداد الفساد ويتكاثر وسيتمخض عن شر مستطير لا قدر الله.
وإن أشد ما يدهشني في هذا الأمر كله وقوف الخطاب الديني التقليدي موقفا شديد الغرابة فهو عوضا عن المشاركة الإيجابية في قضايا الوطن نراه ممعنا في التركيز على قضايا الفرد فقط، وفي كل القضايا التي تتعلق بالغيب حتى غاب عن الوجود تماما، اللهم التركيز على قضايا الفرد فقط كما أسلفت حتى أضحى الخطاب الديني التقليدي هو الآخر جزءا من المشكلة وربما يكون أعقدها أيضا!
[email protected]