لاحظ سقراط في إحدى المرات أن كل تلاميذه قد سألوه فأجابهم إلا واحدا، فالتفت إليه سقراط قائلا له: تكلم حتى أراك، انها باختصار حكاية هذه الكلمات البسيطة شكلا والعميقة مضمونا بالمقابل، والتي تبناها الرائع أنيس منصور كعنوان أحد كتبه، والمثير في هذه الجملة أنه لا زمان لها ولا مكان، وأكثر ما جذبني فيها هو علاقتها الوطيدة بعصر الصورة الذي نعيشه حاليا بعدما أصبحنا نهتم بالمظهر ونسينا المضمون وبعدما أصبحت الأناقة عنوانا لملابسنا وليس لعقولنا.
فكم من المرات أغرتنا مظاهر البعض التي توحي بكم من الوقار والرقي وما نلبث أن نبدل وجهة نظرنا بعد خمس دقائق من حوارنا معه! وكم من المرات صادفنا حسناوات لا يلبسن إلا أفخر الماركات وهن في المقابل يعانين من تصحر الفكر!
فلو كان الشكل مهما ومقياسا لتميز الأشخاص لما كان سترندبرج أحد أنجح كتاب القرن التاسع عشر، وطه حسين الذي تعرض للعمى وهو طفل نتيجة الجهل في الطب وقتها، من أعظم الشخصيات التي تدرس في جامعاتنا العربية، وبيتهوفن الذي كان يعاني من ضعف في السمع مازلنا نبحث عمن يوازيه في الإبداع الموسيقي ولم نجد، أما لوحة الموناليزا فقد كانت ومازالت أشهر لوحة في التاريخ رغم انها لا تمتلك مقومات الجمال لدرجة ان البعض كان يعتقد أنها رجل وليست امرأة، وربما يكون هذا سر نجاح القدماء في مجالات الثقافة والفن والعلوم الإنسانية عندما كان ينظر إلى الإنسان كعقل وليس كجسد لقناعتهم أن الجمال زائل أما المضمون فباق، ما أجمل عصر ذلك السفسطائي سقراط!
[email protected]