لا أهتم كثيرا بأرقام الحكومة حول الميزانيات والدعم والتضخم، لإحساسي بأن هذه الأرقام تتجاهل الطبقة المطحونة ولا تأخذ في اعتباراتها متطلباتهم اليومية من تعليم وصحة ومواصلات وغيرها من الاحتياجات، إلا أنني في الأيام الماضية وجدتني مشدودا لمتابعة هذه الأرقام، ولا إراديا وجدتني أبحث بشغف عن المؤتمرات الصحافية والبرامج الإعلامية التي تتناول هذه الموضوعات بعد الزيادة التي أقرتها الحكومة المصرية على أسعار الوقود من بنزين وسولار وكهرباء.
وأمام هذه المتابعات وجدت تضاربا كبيرا تجاه الرؤية لهذه الزيادة، فالبيانات الحكومية والتصريحات الوزارية تؤكد حتمية «إلغاء الدعم»، على اعتبار أنه «حل مر» لابد من التعجيل به بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، والأزمة الطاحنة التي تمر بها الدولة، بينما يشدد المعارضون لهذا القرار على أنه انحياز طبقي ضد الفقراء ومحاباة فاضحة لرجال الأعمال.
لكن بعيدا عن الآراء المؤيدة والمعارضة، عندما نستمع إلى خبراء الاقتصاد وحسابات الأرقام نجد أنفسنا أمام حقيقة مؤلمة، فمعظمهم يرون أن هذه الخطوة كان يجب أن تتم قبل عقود وليس الآن، فالدعم الكبير الذي كانت الحكومة تقدمه للبنزين والسولار والكهرباء لم يمنع تضخم نسبة الفقر إلى أن وصلت 26.3% بين أبناء الشعب المصري، ولم يقف حائلا أمام ارتفاع البطالة حتى تجاوزت 13.2% بل إن هذه البطالة تفاقمت بين الشباب في سن 20 - 30 عاما حتى بلغت أكثر من 57%، ويتساءل هؤلاء الخبراء إذا كان دعم الوقود يكلف الدولة أكثر من 130 مليار جنيه سنوياً معظمها تذهب إلى جيوب أصحاب المصانع والمشاريع والمولات، بينما لا يصل إلى الفقراء منها سوى الفتات، فهل يصح أن يستمر هذا الدعم دون عدل ومساواة؟!
رغم تعاطفي الشديد مع محدودي الدخل وتضامني الكامل مع البسطاء، ورغم صعوبة التوقيت الذي اتخذت فيه الحكومة هذا القرار، إلا أنني خرجت بقناعة أن قراراها هذا مهما كان خاطئا أو صائبا فهو على قدر هائل من الشجاعة في اتخاذه، فالرئيس السيسي في أيام حكمه الأولى كان الأفضل له شخصياً أن يتخذ قرارات مختلفة كرفع الرواتب وزيادة الدعم لتزداد مكاسبه الشعبية في الشارع المصري على حساب المصلحة الوطنية وارتفاع عجز الميزانية، إلا أن الرجل اختار الطريق الصعب، وبدأ بملفات شائكة، واضعا نصب عينيه توفير قيمة الدعم لتقديم خدمات صحية وتعليمية حقيقية يستفيد منها المواطنون بقدر من العدل والمساواة. لم يلجأ إلى دغدغة المشاعر أو استعطاف الشعب، بل اتجه إلى طريق يعلم جيدا أنه قد يواجه بسخط كبير من شريحة كبيرة لا يستهان بها، وفي الوقت ذاته، يستغله معارضوه أسوأ استغلال لكسر ما له من شعبية!
هذه القرارات الشجاعة خلال هذه الفترة الصعبة تجعلني أطالب الحكومة بـ «الحذر ثم الحذر»، فالطبقة المتوسطة لن يكون بوسعها تحمّل استغلال التجار وقائدي مركبات الأجرة والمصانع الغذائية ومقدمي الخدمات اليومية التي تعتمد في إنتاجها على الوقود، وهنا لابد من الرقابة الشديدة على الأسعار حتى لا يكون رفع الدعم ذريعة لضعاف النفوس لتحقيق المزيد من الثروة، وتكون هذه القرارات مجرد خطوة لإنصاف رجال الأعمال على حساب بقية الشعب.
ولا يفوتني أن أدعو جميع أخواني المصريين إلى الصبر لمنح الحكومة الفرصة الكافية لتقييم هذه الخطوة، وأعتقد أننا إذا ما تضامنا معها ووضعنا نصب أعيننا مصلحة وطننا ومستقبل أبنائنا فسنحقق نتائج إيجابية لاقتصادنا القومي خلال فترة وجيزة، ولن نحتاج أبدا إلى الذهاب للبنك الدولي لنطلب القروض ونقدم الولاءات.
[email protected]
@mosaadhosny