بقلم: بدر مشاري الحماد
نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
baderalhammad.com
تأتـي أهميــة هيمنة مجلــس الخدمة المدنيــة على نظام شؤون التوظف لما تشكله قرارات المجلس وسياساته من أثر كبير على الموازنة العامة للدولة خاصة فيما يتعلق بباب المرتبات، فمجلـس الخدمـة المدنية هو المعنــي بالسياسة العامــة للمرتبات والأجور بما يكفل التنسيق بيـــن الجهات والمؤسسات الحكومية المختلفة، بل امتدت مسؤوليته في هذا الشأن الى الشركات التي تسهم فيها الدولة بأكثر من نصف رأسمالها، والمسؤولون عن التطوير الإداري للدولة.
من جانب آخر، فإن مجلس الخدمة المدنية هو المختص بالتشريعات المتعلقة بالخدمة المدنية وإبداء الرأي بشأنها وإصدار التفسيرات الملزمة للجهات والمؤسسات الحكومية، كما هو المعني في إبداء الرأي بمشروعات إنشاء الجهات والهيئات والمؤسسات العامة، وكذلك الرقابة على نظم شؤون التوظيف بالجهات الحكومية وغيرها من المسؤوليات والاختصاصات الموضحة بالقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية.
وقد وضع برنامج عمل الحكومة 2021/2024 الذي أشارت اليه جريدة «الأنباء» مؤخرا العديد من المسؤوليات على عاتق مجلس الخدمة المدنية بهدف تحقيق رؤية الكويت 2035 في تحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار، والذي يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي، ومن تلك المسؤوليات التي وردت بأولويات الحكومة إعادة هيكلة الجهاز الحكومي ودمج أو إلغاء الجهات الحكومية ذات القيمة غير المضافة.
وقد أسند برنامج الحكومة لديوان الخدمة المدنية الإشراف على تنفيذ استراتيجية التوظيف الوطنية والتي تتضمن إصلاح هيكل الأجور في القطاع العام، وتوحيد سياسة الأجور ومواءمة هيكل الأجور بين القطاعين العام والخاص.
وعلى الرغم من الاختصاصات والمسؤوليات التي منحها المشرع لمجلس الخدمة المدنية في سبيل تحقيق هيمنة المجلس على السياسة العامة لشؤون التوظيف، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بسياسة الأجور والمرتبات إلا انه في رأينا هناك قصور واضح بدور مجلس الخدمة المدنية في احكام دوره في هذا الشأن، وأول جوانب هذا القصور صدور العديد من التشريعات التي منحت عددا من الجهات والمؤسسات الحكومية سلطات مجلس الخدمـــة المدنية مـــن دون أي مـبـــررات موضوعية، الأمر الذي أخل بنظام العدالة والمســـاواة بالأجور والــرواتب وتكافؤ الفرص بين العاملين بالجهات والمؤسســـات الحكومية بما في ذلك القطاع الخاص، والتي هي أحد المبادئ التي أسس لها دستور الكويت، فإذا كان برنامج الحكومة يستهدف مواءمة هيكل الأجور بين القطاعين العام والخاص فإنه من الأولى ان يكون موائما بين الجهات والمؤسسات الحكومية قبل النظر الى هيكل الأجور بالقطاع الخاص.
أما الجانب الآخر من القصور فيتعلق بمبدأ وحدة المسؤولية، وأعني هنا مسؤولية الإشراف على إعداد وتنفيذ الميزانية العامة للدولة والرقابة عليها، حيث إن ديوان الخدمة المدنية يتبع مجلس الوزراء وفقا للقانون (تم نقل التبعية لوزير الدولة للشئون الاقتصادية)، في حين أن باقي الجهات المعنية بمكونات الموازنة العامة مسؤول عنها وزير المالية، لذا نرى من الجانب الفني والموضوعي أن يكون إشراف وزير المالية كاملا على مكونات الموازنة العامة للدولة، وذلك لما بين شؤون التوظيف وشؤون المال من علاقة وثيقة، وحتى يكون وزير المالية هو الذي يمثل ديوان الخدمة المدنية أمام مجلس الوزراء.
أما القصور الأخير الذي نراه فيتعلق بمبدأ الشمولية والمقصود هنا أن تشمل مسؤولية مجلس الخدمة المدنية السياسة العامة للمرتبات والأجور مهما اختلفت نظم شؤون التوظيف في الجهات والمؤسسات الحكومية، فنرى أن المشرع بالقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية استثنى العسكريين من أحكام القانون، الأمر الذي أخل بمفهوم التنسيق الكامل بين الجهات والمؤسسات الحكومية والمؤسسات العسكرية بشأن شؤون التوظيف، خاصة في ظل مسؤولية وزير المالية المتعلقة بالاستحقاقات المالية للقوات العسكرية وفقا للقوانين المنظمة للمؤسسات العسكرية، لذا يجب ان تكون هيمنة مجلس الخدمة المدنية هيمنة كاملة على سياسة المرتبات والأجور لكال قطاعات الدولة، وذلك حتى تتمكن الدولة من ضبط التناسق العام بجدول المرتبات والأجور على مستوى الدولة، خاصة في ظل تبني الدولة سياسات إصلاحية هيكلية ذات أثر مالي واقتصادي.