ظهر مفهوم الجودة الكلية أول ما ظهر في القطاع الصناعي بقصد التأكد من خلو المنتج الصناعي النهائي من العيوب، ومن ثم انتقل إلى مجالات أخرى، منها الإنتاجي ومنها الخدمي، وكان ظهور الجودة في الولايات المتحدة الأميركية واليابان، ثم انتقل إلى بقية الدول بخاصة المتقدمة، أو التي تسعى إلى تبوؤ مكانتها في العالم المتقدم.
وتعني الجودة تلبية رغبات المستفيد النهائي من المنتج، وتحقيق رضاه عما يقدم إليه، أي إن المستفيد هو الذي يحدد مدى دقة الجودة في المنتج الذي يتلقاه، وليست المؤسسات أو الهيئات بكل أجهزتها، على الرغم من تفاوت توقعات المستفيدين نتيجة عوامل مختلفة من العمر والجنس والشخصية، والمكانة، والخبرات.. إلخ.
وقد انتقل مفهوم الجودة من القطاع الصناعي (المادي) إلى القطاع الخدمي بخاصة المجال التعليمي، وإذا كانت العملية التعليمية تتم من خلال رغبات المستفيدين من عملية التعليم وهم الطلاب والمدرسون وأولياء الأمور وصولا إلى المجتمع.
وعلى الرغم من أن مفهوم الجودة وتجويد العمل عموما ليس بجديد علينا، نحن المسلمين، حيث يحثنا ديننا الإسلامي الحنيف على الجودة، ويطلب منا الإتقان في العمل وفي كل الأمور التي تجري بين الناس، لاسيما في التربية والتعليم.
وهناك مفاهيم إسلامية عديدة تتصل بمفهوم الجودة التي شكلت حافزا مهما للعلماء الأوائل على الاهتمام بالعلوم الدينية والدنيوية.
وإذا كان المقصود بالجودة تحقيق رغبات المستفيدين من التعليم، فإنها تهدف بالنسبة للمتعلمين الى تحقيق تطلعاتهم للمستقبل، وبالنسبة للمعلمين تنمية العقلية للمتعلمين، وبالنسبة لأولياء الأمور المخرجات التي تتطلب تنمية المواطنة الإيجابية المسؤولة، أما بالنسبة للحكومة فتهدف إلى النمو الشامل للمجتمع ودمجه في الاقتصاد العالمي.
لذا فإن تطبيق الجودة الكلية يتطلب أن يتمتع المتعلمون بالصحة الجيدة ويتوافر لديهم الاستعداد للتعلم، وتوفير بيئة تعليم آمنة للمتعلمين، وتوفير محتوى علمي من مناهج ووسائل وأدوات ترتبط بالمجتمع المحلي، توفير البرامج المناسبة لتدريب المعلمين والهيئات الإدارية على أساليب التدريس الحديثة، وتطوير أساليب التقويم، بما يحقق في النهاية أهداف المجتمع من العملية التعليمية بكاملها.
وحتى تؤتي الجودة أكلها فإنه ينبغي عدم الغموض في تحديد الأهداف، وعدم التسرع في تحقيقها، والتأكد من التنسيق بين كل الأجهزة، واتباع الأساليب الديموقراطية في إدارة العمل، وضمان عدم تسرب الكفاءات القائمة على تحقيق الأهداف، وتوفير الكلفة المالية المطلوبة دون المبالغة فيها. وهذا يتطلب نشرا وتعزيزا لثقافة الجودة، والعمل على توعية المنخرطين بالتعليم بماهيتها وأهدافها وآليات العمل فيها، واستراتيجيات واضحة تقود الكل نحو تحقيق الجودة الكلية في التعليم.
وخلاصة القول إن إدارة الجودة الكلية هي فلسفة ومنهجية عمل مؤسسية تتضمن إطارا من المبادئ، والأدوات والإجراءات التي تواجه المؤسسة التعليمية في كل ما يتصل بأنشطتها بما يؤدي إلى التحسين المستمر، عن طريق فهم الجودة كعملية أصيلة للتعليم، بعيدا عن نشأتها في الميادين الإنتاجية المادية، ومن فهم البيئة التي ستطبق فيها والتحديات التي تواجهها، من دون نقل تجارب الآخرين نقلا حرفيا لا يمكن تطبيقها في المجتمعات المستهدفة والتي يجب أن تكون مستعدة لذلك على كل المستويات.
@dralsharija