إن عبارة تصحيح المسار يتم تكرارها منذ أزمة انهيار أسعار النفط في عام 1998م أي قبل (21) عاما، بل إن أحد الخبراء يقول: إن الحكومة كانت تخطط لتصحيح المسار منذ عام 1982م، وبالتوازي تم ترديد عبارة تنويع مصادر الدخل منذ خمسة عقود مضت من دون أن نحرز أي تقدم على صعيد تنويع مصادر الدخل. وبعد كل هذه السنوات والجهود التي بذلت في دراسة الكيفيات والآليات لتصحيح المسار وتنويع مصادر الدخل نقف على ذات الخط لنبدأ من جديد، اليوم هذا التصحيح هو ما سينقذ مستقبلنا كدولة ويحقق تطلعاتنا كشعب، ومن دون هذا التصحيح أو التأخير في التصحيح سندخل في نفق مظلم لا نعرف نهايته. لذا سأتطرق في هذه السلسلة من المقالات إلى إجراءات ومعالجات نحتاج إليها بشكل ضروري حتى لا يكون تجاهلها أو التأخر فيها القشة التي تقصم ظهر البعير، ونحن وللأسف مبدعون في التسويف والتأخير كسياسة لإدارة التعليم في الدولة، وهو ما يجعلني اكتب هذه المقالات راجيا أن تكون محفز للإدارة التنفيذية لتبادر بصورة سريعة. وهنا سأبدأ بلفت الانتباه إلى مشكلة آخذة في التصاعد وتتضخم أبعادها وهي مشكلة البطالة. وبهذه السلسلة من المقالات سوف اسرد المشكلات المغذية لمشكلة البطالة واحدد ملامحها ومن ثم سأكتب الحلول بمقال مستقل بإذن الله.
وسيكون مدخلنا الأساسي مناقشة عشوائية نظامنا التعليمي الذي وللأسف لا يستند إلى رؤية تنموية واقتصادية واضحة المعالم. وهو ما يجعلنا كتربويين غير قادرين على ضبط إيقاع هذا النظام، ولن نكون قادرين ما لم تكن هناك رؤية اقتصادية وتنموية تحدد بشكل واضح لهذا النظام التعليمي ما هو المطلوب منه حتى يخرج من نفق العشوائية هذا. إن أعداد الطلاب في ازدياد متسارع تنذر بعجز عن تلبية الطلب على التعليم خلال (15) سنة من الآن. وفي نظرة تحليلية بسيطة، ومن خلال ما ورد في تقرير التعليم للجميع للعام 2014م والصادر من وزارة التربية فإن عدد الطلاب في العام الدراسي 2002/2001م كان (148712) طالبا وطالبة، وفي العام الدراسي 2013/2012م كان (239231) طالبا وطالبة بنسبة نمو تقترب من (40%)، وفي العام الدراسي 2019/2018م فإن عدد الطلاب في التعليم العام الحكومي وصل إلى (400106) بنسبة زيادة تقترب من (60%) عن عددهم في العام الدراسي 2013/2012م وبنسبة تصل إلى (160%) تقريبا بالمقارنة مع العام الدراسي 2002/2001م، كما إن عدد الطلاب الذين أتموا المرحلة الثانوية بنجاح في العام الدراسي 2009/2008م وصل إلى (10500) طالب تقريبا بينما فاق عددهم (25000) طالب وطالبة في العام الدراسي 2019/2018م وهو ما يمثل نمو بنسبة (145%) خلال عشر سنوات فقط!! ومن المتوقع أن يحقق النمو لأعداد الخريجين من المرحلة الثانوية من (130%) إلى (160%) خلال السنوات العشر القادمة. بينما النمو في أوعية الاستيعاب التدريبي والفني والعلمي كما هي – كمؤسسات:جامعة الكويت، التطبيقي، والمعاهد العليا- وإن زادت أو توسعت فإن هذا النمو والتوسع لن يواكب الطلب على هذا النوع من التعليم خلال (15) سنة من الآن. ومن خلال مراجعة القدرة الاستيعابية لمؤسسات التعليم ما بعد الأساسي نجد أن جامعة الكويت قد قبلت (6000) طالب تقريبا خلال العام الدراسي 20120/2019م، وقبل التطبيقي بمؤسساته المتنوعة عدد يقترب من(14000) ألف طالب وطالبة بذات العام، بينما تم قبول أقل من (2000) طالب وطالبة في البعثات الخارجية، كما تم قبول (4000) طالب وطالبة تقريبا في البعثات الداخلية بمجموع يقترب من (25000) فرصة في التعليم ما بعد الجامعي وهو ما استوعب كل الخريجين من المرحلة الثانوية لسنة 2019/2018، لكن هل سيكون لهذه المؤسسات القدرة على استيعاب (50000) طالب وطالبة خلال عشر سنوات من الآن؟ وهل ستكون هناك مراجعات لسياسات القبول وتطوير البرامج التعليمية ومواكبة لمستجدات العلوم والمعارف؟.
dralsharija@