قبيل عقد قران ابني الأكبر طلبت منه أن يجلس إليّ وبادرته قائلا:
سأعيد عليك ما قاله لي جدك في هذا المقام قبل أكثر من ثلاثين عاما مضت فوالله ما وجدت خيرا منه رغم سعيي الحثيث لذلك:
بني، ها أنت توشك على دخول مرحلة جديدة من عمرك المديد إن شاء الله، تختلف عما سبقها بأنك ستكون فيها مسؤولا عن شريكة وثق والداها وأسرتها بك وقبلوا أن تعيش في كنفك وأن ترعاها بدلا منهم وهي عندهم كما أنت عندنا أنا وأمك لا شيء كان أو سيكون يعدل مكانتك، فاحرص عليها واجعل سعادتها أكبر همك وتذكر أنك مسؤول عند الله عنها.
عندما تدخل بيتك ويقبل عليك «طلال وفيصل ولجين» - هي اختياراته رحمه الله لأسماء أبنائي مستقبلا- يتهافتون على حضنك كعصافير الجنة فقبل أن تبدأ بتقبيل لجينة المتعلقة بعنقك وقلبك منفطر حبا لها ولإخوانها، وغرورك بأبوتك يعانق عنان السماء، تذكر أن تقبل أمهم أولا وأن تحضنها معهم ولا تنس أبدا أنها سبب وجودهم وهي من ألبسهم وأعدهم لاستقبالك!
تذكر دائما ألا تناديها إلا بحبيبتي وبتدليل اسمها تماما كما ستفعل مع أبنائك.
بني، حتى لا تراودك الشكوك بأن كرامتك تهان عندما تغضب عليك زوجتك أو تنهرك تذكر أن تجعل لنفسك «خزانة ذهنية» عند مدخل بيتك تضع فيها كرامتك عند دخولك وتأخذها عند خروجك، فإن فعلت فستجد خزانتك وبيتك يمتلئان بالحب والهناء يزدان يوما بعد يوم، وتذكر بني دائما أن زوجتك هي من يشاركك فراشك وهي كاتمة أسرارك فاعتبر تأنيبها لك هو تأنيب نفسك لنفسك.
احرص- يا غالي- على أن تجمع لكما أجمل الذكريات فاخرج مع زوجتك والأولاد مرتين في الشهر ووحدكما مرتين واقضيا ليلة في أحد الفنادق كل شهرين، اجعلها عادة تقومان بها حتى وإن كنتما متخاصمين فهي كفيلة بأن تذهب بالخصام، واحرص بني على أن تذهب هي والأولاد إلى شاليه أسرتها قبل شاليهك، وستأتيك فرحة تريد أن تقص عليك أحداث يومها فاستمع إليها وتفاعل معها بشوق وابتسامة كما ستفعل وأنت تستمع إلى «فيصل» يحدثك عن يومه في الروضة.
بني املأ البيت فرحا ومرحا طالما أنت فيه فهذه هي الذكرى التي ستبقى لتقول لك بأنك أديت دورك كأب لزوجتك وأبنائك وهوّن عليها مشاكل البيت والخدم وكل ما يضايقها واجعلها تشعر بأنك الأب والأم والأخ والصديق ولست زوجا فحسب وسيكون هذا ما يميزك عندها عن الناس أجمعين، وتذكر أن سعادتها ليست بما تجلبه لها بل فيما تقوم به من أجلها.
النساء يا ولدي غريزيا شديدات الفضول، هكذا خلقن فبازدياد معرفتهن يزددن قدرة على حماية أسرهن فلا تقاوم فضولها ولا تكتم عنها ما تريد معرفته، ولكن حاذر أن تقول لها ما لا ترغب هي في سماعه أي عن ضعفك وهوانك على الناس إن- لا قدر الله- ابتليت بهما وتذكر أن ما تقوله لها هو محور حديثها لأمها وأخواتها وصديقاتها تتباهى به بك فتريده هي جميلا واستثنائيا، فلا تذكر ما أساءك في بيتنا ولا الخلافات الطارئة بيننا وأظهر لها حبك لنا وحبك لإخوتك وتذكر دائما أن تضخم ما فعله أي منا من أجلك فستحبنا هي لمحبتنا لك، حاذر، بني أن تشعرها أنك تحب أحدا منا - حتى والدتك وأنا- أكثر منها وكرر لها دائما أن حبك لنا واجب وشرع بينما حبك لها عشق، عشق لجمالها ورقتها ولما تفعله من أجلك وتذكر أن تكرر هذا في كل مرة تفتح هي باب المقارنة بين حبك لنا وحبك لها.
بني، حتى أنا إذا لم تذكر لي أنك تحبني وتقبل رأسي في كل لقاء لنا ظننت أن حبك لي قد خبا وأنا أبوك الذي لا تملك إلا أن تحب، فلا تترك يوما يمر دون أن تحدثها بحبك قل لها ما أقوله لأمك أنك تعشق المرآة لأنها تظهر صورتها والأرض لأنها تحمل ظلها.
بهذا بني ستخلق بيتا ملئيا بحبك ومعدا لأحسن تربية لأولادك والأهم أنك وبعد سنوات مديدة وعند زواج (طلال وفيصل ولجون الصغار) ستحظى بثمار ما زرعت.
بني، إن كنت تظن أنك قادر على الوفاء بكل ما تحدثنا به فعلى بركة الله نقوم لنتم «ملجتك» أما إن كان لديك شك في قدرتك على أداء كل ما تحدثنا به بمحبة وعن طيب خاطر فدعنا في بيتنا وسأتصل بوالد «علا» لاعتذر منه.
و في طريقنا لـ«الملجه» قال لي والدي مختتما نصيحة يوم «الملجه» بني، لا تقاطعني وأمك! تعال لنراك مرتين في الأسبوع، وكلما فرغت أيضا، فإني أخشى عليك أن يقاطعك أولادك في كبرك فتحزن يا أحب الناس إليّ ولكن «بعد» أمك.
[email protected]