بعد دقائق من إطلاق إيران صواريخها الباليستية على قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق وإعلان مرشد الثورة آية الله علي خامئني أن إيران وجهت صفعة لأميركا كردّ لها على اغتيالها الجنرال قاسم سليماني، قال وزير الخارجية الإيراني موجها حديثه للإدارة الأميركية، لقد انتهى الأمر فلنكتف كلانا بما حدث، كان يقصد دعوة أميركا لتقبل ردة الفعل الإيرانية الشكلية على مقتل سليماني وتوقفها عن التصعيد!
إن قبول أميركا بالقصف الصاروخي المحدود لقاعدتها والذي وان لم يسفر عن خسائر في الأرواح ولا الممتلكات لكونه كما تشير كل المعطيات قد جاء وفق اتفاق ضمني بين البلدين مقابل الضربة القاسية التي وجهتها أميركا لإيران باغتيال الرجل الثالث فيها قاسم سليماني مؤسس ميليشياتها في الخارج والمسؤول عن تطويرها، وهو ما كشفت عنه الوول ستريت جورنال WSJ في تقريرها عن الدور الذي لعبته السفارة السويسرية في طهران في استقبال ونقل الرسائل السرية المشفرة بين طهران وواشنطن قبل وبعد إطلاق إيران لصواريخها الخجولة المترددة غير ذات التأثير.
كتب الصحافي الشهير محمد حسنين هيكل أن قائد القوات الأميركية في العراق أثناء الاحتلال الأميركي له الجنرال ديفد بتريوس سئل عن سبب توجه أميركا للاستعانة بإيران في ترتيب مستقبل منطقة الشرق الأوسط وعدم تفاهمها بهذا الشأن مع القادة العرب؟ فرد بتريوس قائلا إنني عندما أتحدث إلى الإيرانيين فإنني أتلقى إجابة واحدة تحمل رأيا موحدا حول تساؤلاتي، وعندما أتوجه بنفس التساؤلات للعرب تأتيني إجابات عديدة تناقض كل منها الأخرى! لذا فلا يمكننا صياغة مستقبل ولا حاضر للشرق الأوسط بالتنسيق مع العرب المتناقضين والأمر أسهل وأكثر جدوى مع الإيرانيين الموحدين.
حقيقة الأمر انه وعلى الرغم من أن العداء المعلن بين البلدين - وهو عداء حقيقي لا مجال لإنكاره ولا لبس فيه - فإن مصالحهما كثيرا ما تتقاطع في المنطقة، فإخضاع دولها للإرادة الغربية بتقسيمها وإبقائها في حاجة دائمة للحماية الغربية لا يمكن أن يتم بدون تهديد «البعبع» الذي تلعب إيران دوره وينفخ الغرب في إمكاناته ويعظم من قدراته لتتمكن من فرض هيبتها على جيرانها العرب، كما أن أطماع إيران التوسعية القائمة على أساس طائفي تلتقي أيضا وإرادة الغرب في نشر الفوضى الخلاقة التي تقوم وتستمر مستخدمة الصراعات الطائفية التي تتبناها عقيدة التوسع الإيرانية، أخيرا فإيران ورغم زخم الشعارات التي تطلقها لتحرير فلسطين فإنها تفصلها عن إسرائيل آلاف الكيلومترات تحد من قدرتها على إيذائها، فضلا عن تواضع قوتها العسكرية الذي يكشف عنه ويؤكده تواضع موازنات تسلحها ومصادره المحدودة وهي بدون ميليشياتها المنتشرة في العالم العربي والتي بدورها محدودة التأثير والخطر ليست سوى نمر كبير من ورق.
[email protected]