تعيش البلاد جوا من التشنج السياسي قلّ أن مرت بمثله عبر تاريخها، لا في طبيعته ولا في حدّته، الخصوم فيه هم أفراد المجتمع من كل مكوناته العرقية والمذهبية والطبقية، الخلاف فيه ظاهره انتشار وباء «كورونا COVID-19» وضعف أداء الحكومة في السيطرة عليه، وحقيقته احتقان مذهبي حاد.
بدأ الأمر مع رفض مجموعة صغيرة من القادمين من إيران الموبوءة بالمرض البقاء في مقر الحجر الصحي وهو فندق من فئة الخمس نجوم، كان الكثيرون قبلهم قد أودعوا فيه، ويبدو أنهم لجأوا إلى نوابهم الذين بدورهم ضغطوا على وزير الصحة الذي سمح لهم بالحجر في بيوتهم! كان الوباء في بداياته والكويت شبه خالية منه وخلال أيام من إطلاق سراح هؤلاء للمجتمع ظهرت حالات إصابة بالمرض بينهم وربما بين مخالطيهم، ثار الرأي العام غضبا على تلك الفئة التي جازفت بالبلاد وعلى نوابها وعلى وزير الصحة الذين رضخوا لأمزجة بعض المستهترين رغم وجود قانون ينظم حالات انتشار الأمراض المعدية والوبائية ويعطي الوزير صلاحية حجز من يرى ضرورة لحجزة بالقوة الجبرية.
بدأ الخلاف يأخذ منحى طائفيا بشكل تدريجي أولا ثم أخذ بعض الإخوة الشيعة ينكرون وجود وباء في إيران ويدافعون بحماس عن تلك المجموعة، الأمر الذي استفز فريقا من متشددي السنّة الذين أخذوا بلومها ونسبة تفشي الحالات المرضية إليها، وأوشك الزمام أن يفلت لولا أن هدأ الطرفان من حدتهما بعد بعض النصح والتوجيه، لقد كشفت كورونا بسرعة عن هشاشة الوحدة الوطنية وظهر واضحا أن المكون الشيعي يشعر بالظلم والتهميش ويلمح بعضه إلى انهم وصلوا إلى قدر من القوة يمكنهم من قلب الموازين لصالحهم وسط صمت من بقية الطائفة يوحي بالموافقة على هذا التهديد المبطن! نأت الحكومة بنفسها عن حالة الشحن الطائفي وكأنها لا تحدث على عتبات دارها وتهدد أمن البلاد ومصيرها، ومن عوامل التصعيد ما قام به مجلس الأمة في الأشهر الثلاثة الفائتة بتسببه عامدا في استقالة وزيرتين كفؤتين من الشيعة لأسباب واهية تنم عن نفس طائفي بغيض، ولم تتصد الحكومة الجديدة آنذاك لمحاولات عزل وزيرتيها، ومن ثم اعلن عن قبول استقالة ثالث وزير شيعي يكلف في الوزارة الأخيرة بسبب تهديدات نيابية باستجوابه واستجواب سمو رئيس الوزراء على قضية إدارية هامشية لا تجرح أهليته الدستورية للوزارة.
إن تجاهل هشاشة الوحدة الوطنية ليس في مصلحة احد ولابد من عمل استراتيجي يقوم على أساس العدل بين كل فئات المجتمع وأطيافه وطبقاته ووقف الفساد بما فيه جانبه الإداري والتعيينات الباراشوتية، وجمع الأمة حول هدف إصلاح وضع الدولة المالي وتنمية وتنويع اقتصادها بتنويع مصادر دخلها، وإعادة صياغة مناهج التربية الإسلامية لتبدأ في مراحل التعليم الأولى ولتركز على جوانب الاتفاق بين المذاهب مع الاهتمام بالجوانب الإيمانية وترسيخها في مواجهة موجات الإلحاد الشائعة في العالم.
[email protected]