في معرض إجابته على سؤال للإعلامي المصري الشهير عمرو أديب قال جاريت كوشنر مستشار الرئيس الأميركي ومسوّق صفقة القرن أو مقترحه للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل: لقد رفض الفلسطينيون الصفقة قبل أن يعرفوا محتواها! أي رجال دولة يقومون بمثل هذا؟ انهم مستمرون في إعلان استيائهم من الولايات المتحدة ولا يتكلمون عنها بمودة، لذا فقد قطعنا عنهم المعونة وسنستمر في ذلك.
(انتهى حديث كوشنر) الذي كان امتعاضه من الموقف الفلسطيني ظاهرا على وجهه الذي اكتسى بحمرة الغضب! لقد توجس البعض في الكويت خيفة من ردة فعل أميركية سلبية تجاه الكويت كتلك التي ايدوا فيها تظاهرات المقيمين بصورة غير شرعية العام الماضي وهدد فيها المتظاهرون شخصيات كويتية رسمية بالاغتيال وبالخروج على النظام، بعد أن رفضت الكويت الانضمام لمؤتمر خليجي يمهد لصفقة القرن، تكون هذه المرة أكثر خطرا وحدة نتيجة ما قام به رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم خلال كلمته في مؤتمر عمان للبرلمانيين العرب بإلقائه نسخة من مشروع صفقة القرن إلى سلة المهملات، والحقيقة ان رئيس البرلمان الكويتي بصفته يمثل رأي الشعب الكويتي وغالبية الشعوب العربية تجاه المشروع ولا يمثل رأي الساسة ولا القادة ولا الرأي الرسمي لبلاده ولا للدول العربية، لذا فما قام به رئيس مجلس الأمة من فعل حماسي يمثل حماسة الشعوب العربية وانفعالها في مؤتمر يضم ممثليها لا ممثلي الرأي الرسمي الفلسطيني أو العربي، وهذا هو الإطار الذي يجب أن يفهم فيه ما قام به من ازدراء للصفقة وعلى الولايات المتحدة أن تفهمه في نطاقه.
إن من أهم ما يؤخذ على مشروع صفقة القرن أن كوشينر والرئيس الأميركي يتعاملان مع الفلسطينيين والعرب بأسلوب رعاة البقر في الغرب الأميركي، فلكل مشكلة في رأيهما حل يقدمه المال، الفرق هو في الثمن فقط ارتفاعا وانخفاضا وفق حجم المشكلة المعروضة، وهما يريان - من موقع القوة - انهما طالما قد بذلا الجهد فإن على الطرف الآخر تقديره ولو على حساب مبادئه ونضاله ومصالح أمته ووطنه فكل هذا عندهما شعارات تقيّم بكم من المال يجب القبول به! كما انهما يمعنان في التفاصيل قبل الوصول لاتفاق على البنود الرئيسة مع مفاوضهما وبهذه العقلية صيغت وقدمت صفقة القرن للفلسطينيين والعرب.
عربيا وقف الجميع خلف المفاوض الفلسطيني وتركوا له الخيار وتعهدوا بدعمه لكن الاثنان (الفلسطينيون والعرب) لم يتوقعا كل هذه السطحية في عرض الصفقة فقد اعتادوا على التعامل مع الخبراء وما تحمله كلماتهم من غايات ومعان معمقة وفوجئوا بصياغة هواة مسطحة للصفقة جعلتها اكثر عرضة للفشل منها للنجاح، فكتابها لم يقرؤوا جيدا تاريخ المفاوضات العربية الإسرائيلية في 1936 و47 و57 و65 و78 و2000، ولا درسوا الخصائص النفسية ولا الأعراف والقيم العربية.
فالعرب لا يمكن ان يوافقوا على ما لا يوافق عليه الفلسطينيون والذين بدورهم لا يمكن ان يقبلوا برقع متناثرة على ارض فلسطين تربطها خطوط نقل وهمية لتكون دولة لهم تفتقر إلى مقومات الدولة الحقيقية فلا حدود لها ولاحق في القوة العسكرية ولا تتصل جغرافيا مباشرة بالعالم الخارجي وعاصمتها لا تتجاوز المسجد الأقصى بالقدس الشرقية، فضلا على حرمان المهاجرين من أبنائها من العودة إليها، وتكون نهاية لنضال امتد لـ 70 سنة وثمنا لقوافل الشهداء والمصابين والسجناء والمهجرين هم ضحايا الأمل بإنشاء دولة حقيقية لهم على ارضهم المغتصبة.
[email protected]