جاء الاجتياح التركي لشرقي الفرات السوري والمقرر له أن يكون بعمق 35 كلم وعلى امتداد 480 كلم - وبعيدا عما قد يحققه لتركيا من مكاسب مزعومة - سيكون البداية المنتظرة لتقسيم الدول العربية وتشكيل الشرق الأوسط الجديد، الذي يراه الغرب الوسيلة الوحيدة التي تكفل تعايش الدول العربية الناتجة عن التقسيم في سلام دائم بين بعضها بعضا من جهة وبينها وبين إسرائيل من جهة أخرى، سلام يضمن دوامه اعتماد اقتصادات الدول المستحدثة على التكامل فيما بينها، وسواء أكانت تركيا مكلفة ضمن اتفاقيات سرية بينها وبين الولايات المتحدة لتلعب هذا الدور لصالح مشروع التقسيم أم أن الأمر لا يعدو كونه تقاطع مصالح البلدين، فمن سورية المقسمة سيظهر شيطان الصراعات الطائفية العملاق الذي سينشر الدم والدمار في «فوضى خلاقة» تجتاح دول المنطقة وتنتهي بتقسيمها إلى دويلات الشرق الأوسط الجديد.
قال برنارد لويس البروفيسور البريطاني اليهودي المستشرق في معرض رده على سؤال للرئيس جورج دبليو بوش حول سبب كراهية العرب له ولبلاده رغم ما يقدمه وتقدمه لهم من عون ومساعدات؟ إن العرب والمسلمين فاسدون وفوضويون وسيصدرون موجات العنف والإرهاب للعالم إذا لم تتم السيطرة عليهم بإعادة احتلالهم وتقسيم دولهم!
أعجب الرئيس بوش بتفسير لويس لكراهية العرب له ولأميركا، وبعد أن عرض عليه خرائط تقسيم الدول العربية سارع بوش إلى تعيينه مستشارا لوزارة الدفاع الأميركية ليشارك في وضع خطط التقسيم.
كتب العقيد الأميركي رالف بيترز في كتابه «لا تترك الميدان أبدا» وفي مجموعة مقالاته «حدود الدم» التي ضمنها خرائطه للشرق الأوسط الجديد يقول إن اتفاقية سايكس بيكو Sykes-Picot (1916) ظلمت الأقليات في المنطقة (الشيعة والدروز والبلوش والأكراد وغيرهم)، لذا لا بد من إعادة تقسيم هذه الدول وإنصاف الأقليات، ولا يمكن حدوث التقسيم دون بحور من الدماء تسال والملايين تقتل وتهجّر ولا يجب أن يردعنا هذا عن مشروعنا.
إن تقسيم العراق وسورية والمقاطعة الأميركية المفروضة على إيران سيكونان سبب اشتعال الخليج بالصراعات الدموية، فالنظام الإيراني في محاولة منه للخروج من مأزقه، قد يلجأ إلى اجتياح أو الاعتداء المباشر على إحدى دول الخليج لاستعجال الحرب الأميركية ضده، هذه المغامرة الإيرانية ستشعل الداخل الخليجي المتنوع الأعراق والمذاهب وحتى الولاءات بين الفئات المتطرفة عقائديا، وسيدخل الخليج في نزاعات طائفية بين متعاطف مع إيران وعدو لها، سرعان ما تتطور إلى حرب أهلية أي لحالة الفوضى الخلاقة المزعومة التي تنتهي بتقسيم ودمج دول الإقليم في كيانات جديدة في معادلة مقلوبة تدمر الأغلبية بزعم إنصاف الأقلية، والحقيقة أنها تلبية لحاجة أميركا المستقبلية لشرق أوسط منسجم واستراتيجيتها لاستعادة مجدها وقوة اقتصادها المهددين من تحالف الصين وروسيا الاتحادية.
[email protected]