فيصل الزامل
كتب الأستاذ خليل حيدر الاسبوع الماضي معترضا على ما تناولته في هذه الزاوية بعنوان «الفوضى الجنسية في الغرب، وأثرها على العالم» وكنت قد تطرقت الى ممارسات تنتهك آدمية المرأة وتجعلها وسيلة للمتعة في الغرب، مع ترويج لهذا المفهوم عالميا، حيث قال أ.خليل «يـبالغ الاخ فيصل في اظهار سلبيات حياة المرأة الغربية» لذا سنستعرض في بداية حوارنا معه - وباختصار - بعض الاحصاءات حول هذه «المبالغة» ثم نعود لما كتبه الزميل، حيث يقول «مركز الدراسات الدولية لشؤون المرأة» ومقره مدريد - اسبانيا في تقرير له: «سجلت مراكز الشرطة الاسبانية عام 1990 عدد 130 ألف حالة اعتداء جسدي وضرب مبرّح تجاه النساء من قبل الرجال الذين يعشـن معهم، كما أن هناك بلاغا «يوميا» عن قتل امرأة بأبشع الطرق على يد الرجل الذي تعيش معه».
يقول نفس المصدر أيضا: «في الولايات المتحدة تعيش 8 ملايين امرأة وحدهن مع أطفالهن دون أي مساعدة - يهجرها الرجل - كما يبلغ عدد حالات الاجهاض المسجلة لأعمار دون العشرين 1.500.000 سنويا، وتقول الشرطة الأميركية ان الرقم الحقيقي هو ثلاثة أضعافه، وتبين الاحصاءات أن 27% من المواطنين - في أميركا - يعيشون على حساب النساء، وفي عام 1997 أعلنت الجمعيات الأميركية المدافعة عن المرأة ما يلي: يتم اغتصاب امرأة كل 3 ثوان، ردت الشرطة: هذا رقم مبالغ فيه، والرقم الحقيقي المسجل لدينا هو حالة اغتصاب كل 6 ثوان»!
تسطير هذه المعلومات لا يعكس عقدة عندي تجاه الغرب، أو أميركا، فالاعتقاد الراسخ لدي هو أن هذه شعوب طيبة في أساسها، ولا أتعامل بالكراهية كأسلوب للتفاهم أو تقييم مع الشعوب أيا كانت ثقافاتها، ولذا فانني أتمنى لها الخير، ولكنها هي نفسها التي تشتكي من آثار الفوضى الجنسية عليها، وكونها تملك هي «فائضا» في الجانب المادي لا ينفي أنها تعاني من شح كبير في المسألة الاجتماعية، بحسب الاحصاءات والدراسات، وربما اعتقد بعض الجـيـل الناشئ لدينا أن الفائض المادي هناك - والذي يراه عبر تأثير الاعلام - يعكس بالضرورة فائضا في الثروة الاجتماعية، وهو غير مدرك خاتمة هذا الطريق.
لقد ترك الزميل المحترم موضوعي هذا وتساءل عن واقع المرأة في البلاد الاسلامية، وهو بالتأكيد واقع يعكس معاناة كبيرة، باعثها الأساسي اقتصادي وهذا يشمل المرأة والرجل، ولكنه خص بها المرأة بقوله «والاخ فيصل يعرف لماذا جاءت النساء المسلمات للعمل كخادمات بالآلاف من اندونيسيا والباكستان والهند، بسبب البطالة والفقر في تلك البلاد» وهذه المقولة تتجاوز أن القادمين بسبب الفقر هم من الجنسين، وأن المرأة في الغرب أيضا تعاني من البطالة وتعمل في مهن غير ملائمة، و«27% من المواطنين يعيشون على حساب النساء» عموما. الجانب الاقتصادي لم يكن جوهر موضوعي، بقدر ما هي تساؤلات عن القيم الاجتماعية التي جعلت للمتعة أولوية على كل شيء عند الفتى والفتاة بما في ذلك التعليم، رغم توافره، فانتهى الحال بالفتاة التي لا تتمتع بحماية المجتمع «عمليا» الى الضياع في رحلة البحث عن لقمة العيش كما تقدم، والتي توضحها الاحصاءات، في حين أنه في المجتمعات الفقيرة تنبع معاناة المرأة من عدم توافر فرص التعليم، وحتى اذا توافرت فان الضائقة الاقتصادية العامة على ابناء الاسرة الفقيرة من الجنسين تدفعهم الى سوق العمل وترك التعليم، وهو أمر رأيناه حتى في الكويت قبل النفط، حينما كان أكبر الأبناء يترك الدراسة ليعول أسرته.
يقول الزميل: «تعيش المرأة في البلاد الاسلامية مشاكل مع مختلف القوانين، في مجالات العمل وختان البنات والتمييز ضدها في الميراث لصالح الذكور» هذا التركيم في المواضيع لا يوصلنا الى شيء، فالمرأة في العالم كله تعاني من موضوع التمييز في العمل بين الجنسين، ولسنا استثناء، ولهذا تأسست جمعيات للدفاع عن حقوقها في الغرب، وعلينا أن نقوم نحن بدورنا بشفافية كاملة بعيدا عن الميول السياسية، ولا محل لقوله «وربما كان الأخ فيصل متأثرا باتجاهه الاسلامي» وهو حسبما فهمته يعني تأثير الدين الاسلامي علي - الذي أعتنقه بقناعة - ولا أظنه يقصد أنني أوظف ما أعتنقه لمنحى حزبي أو سياسي، بل ولا أرغب له هو أن يفعل ذلك في تعريضه بأمر شرعه القرآن الكريم بشأن الميراث، الذي يجمع الى العقيدة الدينية، الصيغة الاقتصادية العادلة، التي تحمّل الزوج كافة الالتزامات المالية تجاه الأسرة ولا تحمّل الزوجة شيئا، ويكون نصيبها من الميراث حقا خالصا لها، بينما ينفق الزوج نصيبه على الأسرة اضافة الى كسبه ولا تُلزم هي بشيء من كسبها، وفي حال الانفصال فان القاضي عندنا يحكم للمرأة المطلقة وأبنائها بالنفقة، وعند ابرام عقد الزواج يسأل عن مقدار الصداق والشروط. هذه الامور لا تنالها ملايين النساء في الغرب بسبب العيش بغير عقد زواج، فما هي فائدة المساواة اذا كانت الصيغة الاجتماعية تشجع على الارتباط خارج عقد الزواج الذي يحفظ للزوجة حقوقها؟! يقول الزميل المحترم عن هذه المرأة «الغربية»: «كيف تقارن بين مجتمعات حرة مفتوحة يستمتع الناس فيها بحياتهم، مع مجتمعاتنا؟» وأسأله عن هذا الاستمتاع الذي أثمر 8 ملايين امرأة هجرها من أنجب منها بغير أي حق لها أو لأبنائها تجاهه؟!
وأسأله أيضا عن «استمتاع» المرأة بحياتها في مجتمع تحدث به «حالة اغتصاب كل 6 ثوان»! وهذا يعني ملايين الفتيات المغتصبات كل عام، وهي ليست حوادث نادرة حتى نغــض الطرف عنها، ثم ان الاغتـصاب بالذات ليس جريمة عادية، فهو يهدم الكيان النفسي للفتاة، ويجب أن تتذكر أخي الكريم أن ذلك يحدث مع توافر دور البغاء عندهم وسهولة الوصول الى الجنس بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، الا أن ذلك لم يمنع طوفان الاغتصاب هناك، واشارتك الى جرائم الشرف - كما أسميتها - المرفوضة، فهي لا تقارن بـ «القتل اليومي وبطريقة بشعة من قبل الرجل الذي يعيش معها» كما ذكر أعلاه.
هذا النموذج لا نريده أن يصل الينا، ولا حتى لغيرنا، ولن يصلح لتبريره وجود معاناة عندنا للمرأة، تجب مواجهتها، مع الأمل أن يشمل اهتمام الزميل معاناة المرأة التركية مع الحجاب الذي أدى الى استنفار جيش بأكمله! حتى ننأى بالنقاش عن أي شيء آخر، سوى - فعلا - قيمة وكرامة المرأة.