لماذا لم يستمر التصعيد في ايطاليا ضد برلسكوني؟ حسبما تشير قراءة الحدث هناك الى أن المطلب الفئوي ـ على وجاهته ـ للسيدات ضد تصرفات رئيس الوزراء قد حصر الحماس للتصعيد في فئة الإناث وحرمه من دعم الرجال على نطاق واسع، واذا انتقلت الى تجربة مصر حيث لم يتغير المطلب منذ بداية الأحداث «رحيل مبارك» فإن الجمهور يشعر بمصداقية التحرك، وبالعكس اذا كانت المطالب متحركة، ففي البحرين كان المطلب الأقرب الى نبض الشارع منذ سنوات هو موضوع البطالة وهو الذي حظي بالدفع والحماس، فلما تحركت القائمة نحو شخص رئيس الوزراء على خلفية تركيز فئة عليه بسبب مواجهات قديمة حدث فرز في الشارع، رغم حرص المحرك ـ حركة الوفاق ـ على إعطاء شعور مخالف لهذا الواقع.
أحداث مصر انطلقت من خلفية اقتصادية ـ 10% من سكان مصر مهاجرين طلبا للعمل ـ والإصلاح الاقتصادي في مصر يختلف عنه في البحرين فقد بذلت البحرين في السنوات العشرين الماضية جهودا غير كبيرة وفرت وظائف إضافية مثل استقطاب الجامعات والبنوك والسياحة وحتى العلاج، وتغلبت على نقص الموارد برفع مستوى التدريب بين الشباب ما جعلهم من أحسن الكوادر المهنية الشبابية في الخليج، رجالا ونساء، أين هذا من تونس أو ليبيا أو الجزائر؟
الأمر الأهم، بالنسبة للمحرضين هو التأثير «العكسي» في وارد التركيبة السكانية، حيث عملت السلطات هناك على معالجة نقاط الشكوى، وفي الوقت نفسه أخذت حذرها فتغيرت التركيبة خلال عقدين، والمتسبب في هذا الحذر هو المحرض، اذ ان لكل فعل رد فعل، علما بأن السلطات هناك قد رفعت سقف المشاركة السياسية بشكل لافت، فالكيانات الحزبية التي أخذت أسماء جمعيات صارت واقعا ملموسا، والعفو عن المبعدين فتح الطريق لعودة غالبيتهم ومن بقي في الخارج فلظروف تخصه ليس من بينها ملاحقة أمنية من أي نوع، وقد أدت تلك الإجراءات الى تغيير جوهري في موقف المثقفين البحرينيين من كل الفئات وإقبال على حركة ترسيخ أقدام الدولة العصرية، لا أحد يرفض الدعوات الإصلاحية اذا خلصت من الأجندات الخاصة، وتخلصت من التأثير الإقليمي الذي تستخدمه دول لتنفيس احتقانها الداخلي لتصدير ذلك الاحتقان.
من الواضح أن المنظومة الخليجية تختلف عن الحالة التي تجتاح الأنظمة الجمهورية، وما تمر به المنطقة العربية هو حصاد لما تم زرعه في العقود القليلة الماضية، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ومن يقرأ كتاب المواطنين الخليجيين في المواقع الالكترونية يدرك أنهم يعرفون الفرق، وان حجم المعاناة ـ التي لا يخلو منها بيت ولا بلد ـ ليست متساوية بين جميع الدول العربية من المحيط الى الخليج.
مع هذا، فنحن كأمة متكاتفون، وما يؤلم أيا من أجزائها هو مؤلم لنا جميعا، ولهذا كان التفاعل الواسع مع أحداث مصر وتونس، والأمل كبير في أن يحقق الشعب العربي هنا وهناك طموحاته بغير اختطاف من أي جهة لتلك الطموحات.
كلمة أخيرة:
التقت مجموعة من السيدات بأحد النواب المحرضين بشكل عرضي في سوق الأفنيوز وسمع منهن ما يلي: «يا أخ فلان، ترى هذا التحريض مو في صالح الكويت، لازم تسمع رأي الناس العاديين، لا يكفي تجمعات ترتبها وتعتقد أن هذا رأي الناس، نريد الاستقرار في بلدنا، هذه الزعزعة مستمرة من سنين طويلة، ضرت وما نفعت».. رد فعل النائب هو الابتعاد بهدوء.
[email protected]