فيصل الزامل
يعاني العالم من موجة ارتفاع في أسعار المواد الغذائية ومواد البناء..الخ، البعض يحاول حصر السبب في ارتفاع أسعار النفط الذي يتحمل جزءا من المسؤولية رغم أن ثلاثة أرباع عوائد هذه الأسعار هي في صالح الشركات النفطية الغربية الكبرى، وبالتالي الدول التي تتقاضى منها ضريبة الدخل، ومع ذلك فقد حان الوقت كي تحدث مراجعة كبرى للركائز التي يقوم عليها الاقتصاد الغربي بشكل عام، والأميركي بشكل خاص، الذي يعاني من ضعف الرقابة المالية، فقد انهار قطاع مصرفي بأكمله عام 1984 - بنوك الادخار - وفي أكتوبر 1987 صدم العالم بيوم الاثنين الأسود عندما انهارت أسعار سوق الأوراق المالية وتم تحميل النظام الآلي المسؤولية في تنفيذه أوامر البيع بشكل جماعي، ثم قضية شركات الإقراض «بطاقات الائتمان» التي شكلت هاجسا لبنك الاحتياط الفيدرالي في ظل ضعف القدرة الرقابية للسيطرة على ائتمان الأفراد «التجزئة» التي توسعت فيها البنوك بشكل واسع، ثم جاءت قضية المشتقات المالية التي يتم فيها إخفاء مخاطر الاستثمار في تداول الأوراق المالية بعيدا عن سلطات التدقيق المحاسب، تلا ذلك انهيار شركة انرون التي سحبت معها مكاتب «آرثرأندرسن» للتدقيق المحاسبي، بعدها شركات «دوت كوم» تلك الفقاعة التي أغرت حتى المحافظ المالية الوقورة بالانجذاب إليها حتى انفجرت في وجه الجميع، وتتابعت فضائح البنوك العريقة «بيرنغ» و«سويس كريديه» و«نورث روك»..الخ، فلما جاءت أزمة الرهونات العقارية نسي العالم جميع تلك المصائب بسبب الحجم الهائل لخسائر الأخيرة والتي لامست التريليون دولار، يعني 12 صفرا! ومع ذلك يحملون أسعار النفط المسؤولية، رغم «هشاشة النظام الاقتصادي» على حد تعبير تقرير صندوق النقد الدولي.
لقد تخلصت الولايات المتحدة من عبء ارتفاع أسعار النفط عبر تخفيضها قيمة الدولار أمام العملات الرئيسية كاليورو بنسبة 75% خلال 8 سنوات فقط - كان اليورو 80 سنتا واليوم 1.4 دولار - ما أدى إلى تخفيض سعر النفط عمليا عبر عملية السداد، غير أن حسنات ذلك تخفيض العملة - بالنسبة لأميركا - قد تراجعت عندما اضطر بنك الاحتياط إلى رفع سعر الفائدة لتعويض هجرة الودائع ما أدى إلى انكشاف القروض السكنية، الحلقة الأضعف في النظام التمويلي.
لقد أصبح من اللازم إعادة تعريف وظيفة النقود في الاقتصاد، فهي ليست أداة لصناعة النقود، لا بد من وسيط يضيف قيمة خدمية أو سلعية تحقق قيمة مضافة للاقتصاد، ولا معنى لاحتساب الأرباح نتيجة تضخيم قيمة النقود بغير تلك الإضافة إلا الربا المذموم في جميع الشرائع والقيم الأخلاقية، ولا يغير في الأمر شيئا إذا مارست هذا التضخيم مؤسسات مالية تعمل وفق الشريعة شكلا وليس في الجوهر، الأمر الذي يجعل حتى الالتزام الأخلاقي في تنفيذ أعمال تلك المؤسسات تحت المجهر فلا يوجد أحد مستغن عن التوجيه والرقابة من قبل المؤسسات المدنية.
كلمة أخيرة:
الناس في مختلف أنحاء العالم حاليا يراجعون أسلوب المعيشة بسبب الغلاء عبر ترشيد في المشتريات واستخدام الوقود وقديما قيل «التدبير نصف الكسب»، فقد يحقق راتب ألف دينار لأسرة فائضا لا يحققه راتب ألفين بنفس العدد والالتزامات لأسرة أخرى، بسبب حسن التدبير.