فيصل الزامل
قرأت خبر تردد الصين في مشروع مصفاة الكويت على أراضيها وهي خسارة ستضاف الى مسلسل خسائرنا، ولن تلوم اجنبيا اذا فعل ما يفعله أناس من وطنك، وضعت الصحيفة جانبا ونظرت من نافذة قاعة الركاب الى ارضية مطار دبي، يوم الخميس الماضي، حيث قد تحول لون طرق المطار من لون الاسفلت الاسود الى اللون الفضي بسبب تساقط المطر، كانت السماء أيضا بلون الفضة، هذه المدينة التي كثر عليها الجدل تمر هذه الأيام بمنعطف هام بسبب الأزمة المالية العالمية، ومع ملاحظة الجوانب السلبية للتصور القائم على تحويلها الى مدينة دولية، ولكنها من الناحية الاقتصادية تملك اليوم بنية أساسية ضخمة تم انجازها في عقدين من الزمن ستبقى كأصول اقتصادية كبيرة للدولة لا تتبخر بسبب الأزمة كما حدث مع محافظ مالية مليارية خسرت ثلث قيمتها تقريبا، صحيح أن هناك جدلا حول تشغيل وصيانة تلك الأصول، هذا التحدي يواجهه الجميع عبر برامج تسويقية تستقطب معارض ومؤتمرات وتشجع شركات على الانتقال اليها..الخ، فهو تحد قائم في كل الأحوال ولا يقارن بمخاطر ادارة المحافظ المالية عبر «مادوف» وغيره في لندن ونيويورك ممن لا دور حقيقيا لهم، ففي حال انتعاش الأسواق فإن «أحمر» مديرـ يعني اوربي ويمكن اضافة المعنى الآخر أيضا ـ سيحقق أداء جيدا، ولكن اذا تعثرت الأسواق فإن «أجدعها» مدير سيخفض رأسه مثل الدب العجوز.
سئل الشيخ زايد يرحمه الله عن إنفاقه المكثف على المشاريع فقال «فلوسنا اذا تمت موجودة عند الاجانب برة ويشوفونها كثرت ينزلون سعر الصرف ويروح علينا نصها (يشير الى ما حدث في 1968 مع الجنيه الاسترليني) واذا صرفناها في مشاريع عندنا ما يضيع شي، الزين نستفيد منه وحتى اللي ما ينجح، نتعلم منه».. هناك من يقارن بين حجم أموال جهاز أبوظبي للاستثمار 612 مليارا والكويت 160 مليارا فقط رغم تقارب معدل انتاج النفط، ويعلل ذلك بأن السبب هو الاحتلال وتكاليف التحرير، والحقيقة غير ذلك، فقد صرفت دولة الامارات على المشاريع بسخاء ونقلت الدولة بأسرها من عصر الى عصر بتكاليف أكثر بكثير مما صرفناه على التحرير، في المقابل لم نستخدم عوائد النفط في الكويت في اقامة مشاريع كبرى ولا صغرى لأنها توقفت تماما بعد «ايكويت» وتم توجيه الأموال الى محافظ خارجية ومعونات دولية وتركت حتى أموال القطاع الخاص المحلية في حيرة لعدم وجود حركة اقتصادية محلية جادة فاتجهت الى المضاربات وحكاية «سعر الدعم» السخيفة، هذا اذا استثنيت بعض الجهود المشكورة لتوجيه أداء المحفظة الاستثمارية للدولة للاستثمار في «النمو» بشراء مشاريع مجزية (الهيئة العامة للاستثمار في الصين وتركيا ـ مؤسسة البترول في ڤيتنام والصين، اذا لم تلغ!) عدا ذلك فإن أموال النفط بين محافظ مالية يديرها أجانب أو مستنفرة لمواجهة صرف عبثي لم تشهد له الكويت مثيلا (ميزانية دعم الأعلاف 15 مليونا، معظمها مجرد مستندات مرتبة للوصول الى المال، وهناك ميزانية العلاج في الخارج 120 مليونا..الخ).
هذا الانتقاد لا يمنع وجود ايجابيات كثيرة في الكويت مثل نظام الجمعيات التعاونية الذي جعل سكان المناطق السكنية يملكون الأسواق الاستهلاكية، وهو نظام متميز بالمقارنة مع الحال في دبي من جهة غلبة الأجنبي على المواطن هناك في تملك المشاريع الخاصة عموما والاستهلاكية خصوصا.
كلمة أخيرة:
كتب عمر الى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما بعد فتح العراق: «أما انك إن قسمت الأرض والأنهار على الجند ـ كما طلب ـ لم يبق لمن يأتي بعدهم شيء، فاترك ذلك في يد عمال الأرض واقسم المال والخيل بين الجند، ولا تأخذ شيئا ممن دخل في الاسلام فهو رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم».. كانت أراضي سواد العراق هي أول احتياطي للأجيال من عائد دخل زكاة الزرع، واستمرار الحافز للمزارعين لتحسينها بسبب استمرار ملكيتهم للأرض .