فيصل عبدالعزيز الزامل
لابد من العودة إلى بداية عصر النهضة في الكويت، في مطلع الخمسينيات، والنظر في الأسباب التي أدت إلى ما تم تحقيقه ومن ثم محاولة ترسم خطى الأولين. مثلا، عندما واجهت الشيخ عبدالله السالم مشكلة في إعادة تنظيم المدينة القديمة وشق الطرق الحديثة فيها لجأ إلى شراء الأراضي من الناس وإقناعهم بالانتقال إلى خارج السور، كان هذا الأمر صعبا عليهم، فما كان منه إلا أن أمر بإنجاز مجموعة من المساكن الحديثة في منطقة «أم صدة»، بعد ذلك اصطحب مجموعة منهم الى تلك البيوت في زيارة تفقدية للمشروع، فلما وجدوا منازل تختلف عن بيوت الطين التي تتهددها الأمطار وتتمتع بحمامات حديثة وغرف لها شبابيك على الفناء الداخلي الفسيح ولا تتجمع فيها مياه الصرف الصحي كما في بيوت الطين بل تذهب إلى شبكة صرف، وفوق ذلك تتمتع بالإنارة الحديثة والمراوح بغير تلك الأسلاك المتدلية على السور، عندها اختار كل من هؤلاء منزلا بديلا عن البيت الذي قبل أن يتم شراؤه من قبل الدولة، وكرت السبحة.
هذا القرار سبقه مقترح جيد لتنظيم المناطق السكنية الجديدة قدمه مراقب الإنشاء في مجلس الإنشاء الجنرال هستد (بريطاني) عام 1953 يقوم على إنشاء طرق صادرة عن المدينة باتجاه الصحراء، فيما سمي بالطرق الشعاعية (الاستقلال - القاهرة – الرياض – الجهراء) ثم طرق دائرية (الأول – الثاني - الثالث – الرابع) وبينها مناطق سكنية التي سعت الدولة لتشجيع الناس للانتقال إليها بشكل تدريجي، والتنازل عن بيوتهم فيما سمي بالتثمين الذي لو تأخر - كما يحدث في قرارات اليوم – لتكلفت الدولة أضعافا مضاعفة لتنفيذ تلك الخطة.
نعم، كان للجنرال «هستد» دور كبير بداية في «التخطيط» المشار إليه آنفا، ثم، وهو الأهم، في «التنفيذ» الذي مهد لقيام الكويت الحديثة، فهو الذي عمل على تنظيم تنفيذ المشاريع الكبرى مثل مستشفى الصباح وثانوية الشويخ وعدد من الشوارع الرئيسية مثل طريق الجهراء والفحيحيل، بواسطة خمس شركات كانت تتقاضى 15% فوق التكاليف الأساسية لجميع تلك المشاريع فيما نسميه اليوم بنظام .cost plus
لقد تضافرت ثلاثة عوامل وراء هذا الانجاز:
- »الأول» القيادة التي كانت تحمل رؤية وتتخذ القرار، وتدافع عنه.
- «الثاني» البطانة الناصحة بأمانة ونزاهة.
- »الثالث» عدم المكابرة في الاستفادة من الخبرات المتخصصة، سواء كانت محلية أو أجنبية.
اليوم نرى أن القرار يؤخذ من يد المختصين ويوضع في يد المتلاعبين بمصير البلاد، ولا يمارس المسؤول دورا في حسم هذا العبث بل ربما دافع عنه، ولا تسأل عن درجة النزاهة في هذه الظروف، يا سادة، نحتاج الى التأمل في الأسلوب الذي قامت عليه نهضتنا الحديثة، مع ملاحظة أن الخبرات المحلية قد تطورت في مجالات كثيرة، إلا أن التقدم العالمي يستلزم الإفادة من الخبرات المتميزة سواء في قطاع النفط أو التعليم أو الصحة، ما يعني أن علينا ممارسة الانفتاح على تلك الخبرات بشكل متوازن يحقق نقلها وتوطينها، على النحو الذي تمارسه الدول الخليجية بشكل ذكي وفعال.
كلمة أخيرة:
توفد مؤسسة البابطين الثقافية سنويا 50 من أبناء شهداء الانتفاضة للدراسة، ضمن نشاطها التعليمي والثقافي الذي ابتدأ عام 1974، وقد أسس البابطين 23 مركزا ثقافيا في العالم العربي ووسط آسيا واسبانيا ودول أخرى، كل منها يحمل اسم الكويت، وعندما أصروا في إيران على أن يحمل المركز اسم «البابطين» وحده توقف المشروع لفترة من الزمن رغم وصول المعدات من الصين إلى المخازن في إيران، فلما تمت الموافقة باشر المركز الثقافي عمله، حاملا اسم الكويت، في لمحة وفاء عجيبة من رجل حصل على 11 دكتوراه فخرية، ولا يهمه الصيت بقدر ما هي خصلة الوفاء المغروسة فيه.
يا أخ عبدالعزيز البابطين أهل الكويت يقولون لك شكرا، ولستُ مدعيا ذلك عليهم لأن شعارهم «لا يشكر الله، من لا يشكر الناس».