فيصل الزامل
كـيف نحل لغـز اعـتـبـار الوجـود الأميـركي في العراق احتلالا، مع شـبه إجـمــاع العـراقـيين عـلى أن خـروج الأمـيـركـيين سـيـؤدي لا مـحـالة إلى التقـسيم، وقـيام كـيانات هشة، تـبقى لسنوات طويلة غـير معـترف بهـا، مثل قبرص التركيـة، التي لا يعترف بها أحد سوى تركيا، منذ ثلاثين سنة؟!
نعم، هناك شبه إجـماع عراقي، وهو يتـمـثل بوســائل عـدة، أولاها الدولة الرسـمـيـة التي لم تطلب رسـمـيـا من الاميركان المغادرة، بقدر ما تدعوهم إلى زيادة دعم الأمـن المحلي، ثانيــتــهــا الانتخـابات التي جرت تحت حمـايتهم وشارك فيها الجـميع، باعتبار أن السنة العرب المقـاطعين قد عبـروا عن حدوث خطأ اسـتـراتيجي بمقـاطعـتـهم لتلك الانتخابات.
والآن، نحن أمام حقيقة أن الأميركان قد فـشلوا فشـلا ذريعا في حـفظ الأمن، ومارسـوا أخطاء غبيـة في إدارة الأمور بعــد إزالة الـنظام الســابق، هـذا كله صـحــيح، إلا أن ذلك لا يثــبت أن أهل العراق يرون أن خـروج الأميـركان الآن هو حل، بل يقولون أن الأمـور ستتعـقد أكثر فأكثر.
نعم، الغبـاء الأميركي في التـعامل مع الأحداث السياسية ثابت، الأمر الذي حول الإيجابيـات إلى سلبيات، ولو أن أهل العـراق قد اصطلحـوا لما نجح أهل الجوار في التـدخل واستخـدام أرضهم كـمسـتنقع لواشنطن التي تهـدد إيران وسورية منذ سنوات طويلة، ليل نهار، وغـير مـتـوقع أن يؤدي ذلك إلى فـتح سـدود الميـاه لإغـراق قـواتهم قـبل أن تصـل إلى حــــدود هاتـين الدولـتين و«الميـاه» هنا هـي مـيـاه الخـلافـات السياسية والاثنية والدينية في العراق الذي هو بيـئة خـصبة جـدا للتـجزؤ والتشرذم.
إن أميركا التي تحاصـر إيران منذ عقود، وفي الوقت نفسه تسلمها العراق عمليا، إما أن تكون غبـية أو أنها مسيرة من اللوبي الصـهـيـونـي الذي يخطط لتفجير الدول المجاورة لإسرائيل.
مرة أخرى، خروج أميركا من العراق هو جزء من مـعالجة شاملة للعـلاقات الأميركيـة مع الثلاثي «العراق ـ إيران ـ ســورية» وإذا اخـتــار الذكــاء (. . . ) الأميركي استفزاز هذه وتلك، فسيستمر ليل العراق ـ والمنطقة ـ دهرا طويلا.
إن تعـريف الوجـود العـسكري في دولة «ترحب به» يتجاوز كلمة احتلال، والا فإن تركيا محتلة منذ 60 عاما وقطر كــذلك والكويت وألمانيا واليــابان، والأخيرتان تتـواجـد فيـهـما القـوات الأجنبية بعد حرب وقتال وليس كما هو حال تركـيا وقطر. . الخ، فلمـاذا لا تثور ثائرة هذه الدول، أو شعوبها؟!
نحن لسنا سـعداء بوجـود القوات الاميـركيـة، ولكننا نعرف أن بعـضنا يهدد بعـضنا الآخر، منذ ثلاثة عـقود، وتمت ممارسـة ذلك الـتـهـديد سـواء بحـروب أو بتـغـذية خطف الطائرات وقصف السفن.
إخراج القوات الدولية يتطلب تغييرا في تعامـلنا مع بعضنا البـعض، سواء كـدول، أو حتى داخل الدولة الواحـدة، كحال الشعبين العراقي واللبناني، حيث يؤدي نفث الكراهية عـبر الميكروفونات إلى إعداد بيئة وظروف مناسبة للتواجد الدولي فضـلا عن التغلغل الإسـرائيلي، وهو مـا لا يمكن أن يحـدث لو تغـيـرنا نحن، وغيرنا ما بأنفسنا.