حين يحوطنا أساس متين وقوي سنكتشف مدى قوتنا فيه، وقد نختبر نقاط ضعفنا عليه، لكن سيكون بداخلنا يقين بأننا نستطيع، ومن هنا تنطلق شخصيات الآخرين الواثقة، والمتصدرة قائمة النجاح باستمرار، فحين يتربى الفرد على قول رأيه ومناقشته سيدرك أهمية ما يريد ومكانته في التحقيق، وحين ينشأ على الممنوع وعدم الانصات لما يقول فسيتخذ من رغباته أدوات تدمير لذاته.
من المهم على كل رب أسرة ومسؤول ان يبصر طريقة تعامله قبل ان يحاسب الابن أو يلومه، وحين ينتهي من مناقشة ذاته ومعرفه نقاطه السلبية والايجابية عليه بعد ذلك ان يناقش الطفل أو الابن أو المراهق بصيغه المسؤولية والثقة ليمنحه الأمان فيصبح بصيرة لما يراه.
الكثير يعتقد انه بمجرد توفير المادة، فقد أدى دوره على أكمل ما يكون، وهذا منظور مقصور، وصورة محدودة، فالإنسان لديه احتياجات لابد ان تلبى، ومسؤولية تكوين الأسرة تحتاج لخطة من الوالدين، وتوفير مناخ ملائم، ودراسة مشاكل الأبناء بعيدا عنهم ومناقشتها معهم.
زارني شاب في مقتبل العمر في العيادة يطلب الحل والمشورة، وكان الارتباك واضحا عليه، وحين بدأ بسرد ما لديه أدركت الخوف في عينيه، وجملة واحدة قال: أبي يدير حياتي بدلا مني، ويختار لي، ولا يمنحني حق الاختيار في شيء، فهو دوما يشعر بأنه يعرف اكثر، ولكن انا أيضا أريد ان اجرب وأتعلم وأشق طريقي بنفسي لأتحمل مسؤولية أخطائي، فحين كان أبي يختار لي مجال تخصص، أو زوجتي المستقبلية، أو حتى نوع السيارة التي أقتنيها كنت في كل مرة أتعرض لمشكلة ألقي باللوم عليه، وأزداد مشاعر سلبية نحوه، وذلك ما كنت أخشاه، فحين أختار بنفسي فسأخطئ لكنني سأعرف، وسأنهض وستكون مشاعر الأسى أو الندم مترجمة لإصرار وطموح وليست لغضب مكبوت، هذه صورة حقيقية، ونموذج مصغر للكثير من النماذج السائدة في مجتمعاتنا، فحين ينشأ الابن على قول «نعم» و«حاضر»، فلن يكون هناك مجتمع واعد، لأن الاختلاف مهم وضروري، وحق لكل انسان ان يعبر عما يراه، وحين يسلب منه هذا الحق فسوف نجعله على أول درب للضياع، وغياب المسؤولية، أو التعامل بعنف وسلبية.
اسمع ابنك أو ابنتك، امنحهم فقط حق الحديث، وامنح نفسك حق الانصات، وستجد ان جسر التواصل امتد بينكما، حينها تستطيع اضافة ما تريد، ويستطيع هو الشعور حقا بما يريد، القضية ليست افعل أو امتنع، بل خذ وهات، وعبر عما تراه الآن، فمن البيت تتشكل شخصية الفرد، ومثلما بنيته طابقا طابقا، وحرصت على تشييد أساسه، واستخدمت أدوات بناء جيدة ليكون آمنا، فاحرص على بناء النفوس بداخله، وعمر فيها الثقة فيك، وليس الخوف منك.
Dr_ghaziotaibi@