كان يراقب الناس بشدة لدرجة انه يتخيل نفسه مكانهم، يعيش ظروفهم، يتمعن في وجوههم، وربما يشعر بخوفهم، ما هي إلا ثوانٍ حتى نزل من برج المراقبة إلى ساحة واقعة، تعاطى بمحدودية وتنقل من مكان لآخر، يبحث عن ضوء يرشده فعرف انه لا أحد يكون مكان الثاني، إذا لم يقف بمكانه الحالي، ويبصر ما فيه وينهض بمعانيه كل إنسان موجود بطبيعة خاصة تتناسب مع وجوده، مما يستدعي عدم حكمنا عليه، لاننا لسنا في مكانه ولو كنا فلن نعرف ماذا سنفعل، وهل سنرضخ أو نحاول ان نجد حلا؟ سطحية الأحكام أصبحت رائجة هذه الأيام فستجد من يفشل يقال له أنت لم تتقن ما فعلت ولم تبذل قصارى جهدك، وما هو الحد المطلوب لنتقن الأمور؟ فنحن لم نخلق مع كتالوج للجهود بل بعقل يتوسع بالمعرفة ويتقلص بالحدود، أكمل طريقه ووجد بعض العيوب التي تحتاج لإصلاح فدخل على زوجته يسألها عن مكان الأدوات التي اعتاد ان يستخدمها في ترميم أي خلاف، فقالت: أصابها الصدأ، ولم تعد صالحة للاستخدام، سكت برهة يتأمل ما عليه لكنه هذه المرة، كان حذرا لما يليه وعارف لطبيعة الآخر التي تحتاج مراعاة لم يرد بل اتخذ الصمت كحل وسط، هاجمته زوجته وذكرت له جوانب التقصير وقالت: البناء لا يحتاج ترميما لأنه سيسقط، من الأفضل أن تبني من جديد، وتتخذ أساسا صلبا ومتينا، فاعترف بأسفه، على ما لحقها من أضرار وقال: هات ما عندك لنحل الخلاف، اجتاحت المرأة بعاطفتها كل ما فات وقررت أن تكون له بوصلة أمان، وعبرت له عن مكنونات الذات، فما كان منه إلا انه استجاب حين وجد من يدله على الحلول وليس الظنون، إلى من يأخذ بيده بدل ان يفلتها بمنتصف الدرب، جميعنا نحتاج لمن يدلنا ولا يدلل علينا، يفهمنا بدل ان يحاول معرفتنا، يعذرنا بدل ان يحكم علينا، حين تشير بأصابع الاتهام تذكر ما الهدف الذي تريد غرسه في الأعماق، وما القول الذي تريد ختم به ما فات، وإياك ان تضع نفسك مكان الآخر دون ان تعيش الحاضر وتضع خوذة الحيادية دون أحكام والواقعية دون مثاليات، واجه نفسك واخطاءها، وحسن من ذاتك في حياتك، وإذا وجدت ردة فعل سلبية من الشريك فاعتمد أسلوب الوضوح ولا تلف وتدور، كلما كنت صريحا بنيت صرحا من التصليح.
٭ وأخيرا: حين تنزل من محطة العبور إياك أن تلتفت للوراء، أو تحاول ان تجمع ما انكسر، لأنك أول يد ستجرح وتجرح أعرف ماذا تعلمت وطبقه بمفهوم جديد بتسامح وتحرير لمشاعر اللوم والتنكيل، وخذها مني الناس ستظل تنتقد سواء فعلت الصح أو أخطأت، ارجع لنفسك وقرارة ذاتك وقرر أن تعيد حساباتك ببصيرة، تعلمك مما فاتك، وتخلص من مشاعر الذنب فهي السبب المسؤول عن أي تراجع يصيب الإنسان وتغير في المزاج وعدم سيطرته على الانفعال والأفعال.
Dr_ghaziotaibi@