لو افترضنا جدلا أنني وافدة لدولة ما في عقد عمل، لتمنيت أمورا كثيرة، أولها ألا أدخل الدولة إلا وأنا واثقة من وجودي بشكل قانوني، بحيث ألا أفاجأ بطلب ترحيلي دون سابق إنذار، لو كنت وافدة لاحترمت قانون الدولة التي أقيم فيها وتمنيت احترام الدولة لي، سيثلج صدري ويهون ألم الغربة عليّ ذلك الاحترام الذي أجده في تعامل أهل البلد معي، تعامل يعكس طيب أخلاقهم ورقيهم، لو كنت وافدة سيسوءني حقا تصرف وافدين من نفس جنسيتي بتصرفات طائشة، أو من عدم إحساس منهم بالمسؤولية تجاه عملهم وعدم تقديرهم لدولة فتحت لهم أبوابها، وسيؤلمني بنفس الدرجة إن عمم مواطن في حكمه على أبناء دولتي لتصرف سيئ صدر من شخص، فكل شخص يمثل نفسه.
لو كنت وافدة لاخترت الدولة التي تضع قوانينها العادلة الواضحة لي التي تحفظ حقوقي وبالمقابل أحترم قانونها، ولتمنيت حقا ألا أرى استنقاصا لشخصي او تقليلا من قيمتي لكوني لا أنتمي لنفس جنسية ذلك البلد، فالشخص يحترم ويعامل على أساس أخلاقه لا جنسيته، لو كنت وافدة لقدرت فعلا كون المواطن يتميز عن الوافد بأمور كونه ابن بلده، ولكن لا أقبل أن أظلم أو أن تسنّ قوانين فيها إجحاف لحقي، ولاحترمت نوابا يسعون لسنّ قوانين تنصف حق المواطن وتراعي الوافد بأسلوب راق دون تجريح أو إهانة.
يقال إذا أردت أن تتفهم وضع شخص معين، فضع نفسك مكانه، من منا يقبل أن يعامل على أنه ليس إنسانا كاملا، أو ينظر له نظرة دونية لكونه صاحب جنسية هندية أو سيلانية أو من دولة عربية تختلف عن جنسيته؟ متى ننزع من قلوبنا - نحن كبشر - الغرور والكبر لمن لا يروق لنا؟ متى نسعى لبثّ روح الحب والمساواة بيننا جميعا، متى يرسخ في أذهاننا أننا على اختلاف أصولنا نظل بني البشر.. رغم أن الإنسان مجبول على حب الذات وتقديرها وهذا شيء جميل لا يختلف اثنان عليه، ولكن إن طغى هذا الحب واستشرى، سيتحول الحب إلى غرور، والتقدير إلى أنانية، إن تربية النفس على وضع كل شيء بموضعه الصحيح يرقى بأنفسنا وذواتنا إلى الأفضل.. فيُقضى على الطبقية بكل أشكالها وتسود العالم الإنسانية المطلقة، لتكون قلوبنا كروح المدينة الفاضلة.
إن كان أفلاطون يدعو لإنشاء المدينة الفاضلة التي هي ضرب من الخيال، فلربما نستطيع أن نخلق روح تلك المدينة في القلوب الفاضلة.