يصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهر رمضان بأنه شهر «دعيتم فيه لضيافة الرحمن». وهو تعبير نبوي عميق عن حالة هذا الشهر العظيم فالصائم هو ضيف الله، وفي ذلك تكريم ما بعده تكريم.
لاحظوا عبارة «دعيتم فيه» فالداعي هو رب العظمة والجلال الذي تفضل ودعا الإنسان بكل غروره وتكبره وتطاوله، ولاحظوا ماهية تلك الضيافة ومحتواها: «جعلتم فيه من أهل كرامة الله» الذين تفضل الباري برفعة قدرهم وحسن استقبالهم وعظيم الحفاوة بهم والعطاء المخصص لهم، وأي منزلة يتسنمها الصائم.
أما مفردات تلك الضيافة فهي: «أنفاسكم فيه تسبيح» فليست هي شهيقا وزفيرا عاديا بل هي مع ذلك محسوبة في خانة الطاعات ولها جزاؤها و«ونومكم فيه عبادة» فمادام هذا النوم لم ينتج عن معصية ولم يتضمن محرما فهو عبادة.
تصوروا ينام الإنسان نوما عاديا فيحسب له عبادة يؤجر عليها فأي عطاء وتكريم هذا للصائم. و«عملكم فيه مقبول» فما أن يباشر الإنسان عملا خيّرا يحوز القبول من رب العالمين وطبعا الأجر والثواب.
ومن ضمن الأعمال ولا شك أداء العامل لعمله وقيام الموظف بوظيفته ولنا أن نتأمل هنا لوهلة فلم يدعُ الرسول الكريم لتعطيل الأعمال بحجة الانشغال بالعبادات.
فالعمل هو عبادة مقبولة مثاب عليها ولعل المتمصلحين الباحثين عن الكسل يعون هذه الحقيقة، فبدلا من ان يرفعوا عقيرتهم بتعطيل الدوام في العشر الأواخر بحجة إحياء تلك الأوقات المباركة يعون أن التزامهم بعملهم لا يقل أهمية وأجرا عن أدائهم لعملهم في تلك الأيام وعدم تعطيل مصالح البلاد والعباد.
أما آخر مفردات تلك الضيافة الربانية فهي «ودعاؤكم فيه مستجاب» وهو عهد أخذه أرحم الراحمين على نفسه لاستجابة دعوة الداعي وتحقيق مطالبه في الوقت الذي تكون فيه مصلحته.
طبعا باب هذه الضيافة مفتوح لجميع الناس فمن شاء دخله وهو الصائم، فليحسن المدعو الإجابة بطيب الاستعداد وحسن الاستعداد يصفه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله بـ «فسلوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه» فسلامة النية ونقاء القلوب هما شرطا الاستعداد للحضور والإفادة من هذه الضيافة والتي لابد أن تحدث اثرها في النفوس، فلا مظاهر ولا إجراءات معقدة ولا تكلف ولا تكاليف يصرفها الصائم كي يكون على تلك المائدة الربانية والتي من عظمتها أنها تعقد في كل زاوية وبيت حتى لو كان الصائم بمفرده.
[email protected]