منذ أيام مرت علينا ذكرى المولد النبوي الشريف وهي مناسبة عزيزة تستحق أن يتوقف عندها المرء، فلولا هذه الولادة المباركة لكانت الجزيرة العربية على الخصوص بل العرب بأجمعهم وحتى يومنا هذا يعبدون الأوثان ويسجدون لأصنام يصنعونها من التمر ليأكلوها عند جوعهم، ولكانت الجاهلية ووأد البنات هي الثقافة السائدة الآن، لكن كل ذلك انمحى وزال بعد ولادة نبي الله الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبجهوده، ومع ذلك مازال أقوام يرون الاحتفاء بذكرى ولادة هذا النبي المنقذ بدعة، ترى هل تفهم هذه الجماعة معنى النبوة حقا؟!
تكونت للعرب دولة مترامية الأطراف بفضل ذلك الوليد العظيم أساسها نبوته الكريمة فاختلقت لهم نمطا جديدا من الأخلاق والتفكير، وحلقت بهم في سماء العلم والمعرفة تسابقت الأمم الأخرى لتنهل من معينها الذي فجرته تلك النبوة ومع ذلك يخرج لنا بعض من تعلموا قليلا من ذلك العلم ليصموا أسماعنا بأن الاحتفال بذكرى هذا النبي المعلم بدعة وضلالة. فهل نهل أولئك فعلا من العلم النبوي ليفتوا بحرمة الاحتفال بصاحب ذلك العلم! وأي علم تعلموه منه يحرم عليهم إحياء ذكرى واضع ذلك العلم.
لكل إنسان اجتهاده فمن يرى عدم جواز شيء فله ذلك، لكن لا يحق له أن يحارب من يرى جواز ذلك فليحترم كل شخص اجتهادات غيره خاصة حين يكون الأمر مشفوعا بحجج وأسانيد شرعية وعقلية.
من المؤسف بل المخزي أن تتعامل أمة الإسلام مع ذكرى نبيها بهذا الشكل بل أستطيع القول إننا بعيدون كل البعد عن معرفة حقيقة النبي تلك الشخصية العظيمة التي لعظم شأنها ومنزلتها لم يخاطبها الله تبارك وتعالى وهو رب العالمين باسمها كما فعل مع جميع الرسل. لنجد القرآن الكريم يخاطب نبينا عليه وعلى آله السلام بأوصافه فيقول له «يا أيها النبي»، «يا أيها الرسول» ولم يذكر اسمه المبارك إلا في معرض الحديث عنه.
فهل يكون ذلك درسا لنا لنفهم حقيقة هذا الرسول الأمين الذي لم يدع إلا بهداية أمته وتخليصها من العذاب.
معذرة يا رسول الله إن كان البعض يريدنا أن ننزلك من عليائك ورفيع مقامك إلى مستوى بشريتنا المحدودة الخطاءة وانت الذي وكل الله بك لحفظك أعظم ملائكته منذ ولادتك وكنت وحيا يوحى طيلة حياتك دأبك إصلاح أمتك ورعايتها فكنت بالمؤمنين عطوفا رحيما. وكان جزاؤك يا رسول الله أن بعضا من أمتك لم يقدرك حق قدرك فرأوا فيك إنسانا عاديا لا تختلف عن غيرك من البشر وهم يقرأون صباح مساء «إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما» تعظيما لشأنك وأوجبها حتى بعد مماتك فأي إنسان كنت يا أبا الزهراء. فجزاك الله عنا خير الجزاء وافضل الجزاء كلما أشرقت شمس وكلما عسعس ليل. وبوركت في عليائك عند مليك مقتدر. والسلام عليك يوم ولدت ويوم انتقلت إلى رحاب الله ويوم تبعث حيا.
[email protected]