انتهى موسم الحج هذا العام، ولله الحمد والمنة، ولم نسمع عن حوادث مؤسفة، حيث أشاد الحجاج بحسن التنظيم رغم الأعداد المليونية للحجاج على اختلاف خلفياتهم الدينية والثقافية وصعوبة تسييرهم نحو هدف مشترك في وقت واحد لكنه الإعجاز الرباني الذي يجعل تلك الملايين تتحرك وبكل طواعية وسلام لأداء واجبات الحج.
والملاحظة المؤسفة هنا هي تعجل الحجاج للعودة إلى أوطانهم ولا ضير في ذلك، لكن الحديث هنا عن الأفضلية، فالحجاج في ضيافة الله وفي أطهر بقعة وأكرم أيام فماذا عليهم لو مكثوا أياما قليلة يتزودون فيها من الفيض الإلهي ويتعرضون خلالها لمزيد من الرحمة الربانية المنزلة في هذه الأيام على تلك الأماكن بالخصوص؟!
الإنسان المؤمن يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يغتنم أي فرصة كي يكون فيها محلا لتكريم الله وتبريكه ويسعى لاغتنام أي وسيلة تقربه إلى الله عز وجل، فلماذا يحرم الحجاج أنفسهم من أيام معدودات قليلة يلصقون أنفسهم بالبيت العتيق تبتلا للخالق العظيم وابتهالا للرحمن الرحيم ليغمرهم بلطفه ورحمته ومغفرته وينير قلوبهم بعطائه غير المتناهي الذي يغمر الكون في هذه الأيام خاصة بتلك الأراضي المقدسة؟!
إن الإنسان لفي عجلة من أمره في هذا العصر وكأنه يريد أن ينأى بنفسه عن خالقه وراحمه فما كاد يبدأ بالعبادة (أي عبادة كانت) حتى ينهيها فلا تبلغ أعماق روحه ولا تتفاعل نفسه مع نور الله ورحمته والذي تحمله تلك العبادة فتجده متباعدا عن الله وهو في رحاب رضوانه ولا غرو أن تصاب أرواح المسلمين بالجفاف والخشونة لأنها لم تترقرق بذكر الله كما يجب والله عز وجل يقول (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، فكيف تطمئن القلوب إن لم تحصل على التفاعل والاندماج مع ذلك الذكر بشكل كاف، وما ذلك إلا بسبب التعجل في أداء العبادة والاقتصار فيها على أقل القليل من الواجبات وعدم تسوير تلك الواجبات ببعض المستحبات والسنن العبادية (ولا أقول الخيرية فهذه لها دور آخر) حتى تزيد كمية ومساحة الاندماج والاستغراق في الفيوضات الربانية.
يجب ألا يكون تعاطينا في لقائنا بالخالق العزيز تعاطي التاجر المستعجل الذي يهمه تحصيل الربح فقط بأقل المجهود، فرب العالمين أهل للتأني والتأمل والانفتاح العقلي والقلبي والتفاعل الروحي الكامل والإقبال الإيجابي على طاعته وعبادته ومردود ذلك كله علينا سكينة واطمئنان وبركة وثبات، وما أحوجنا إلى هذا كله في هذا الدنيا المتقلبة والأيام العصيبة والمشكلات المتداخلة التي لمواجهتها يحتاج الإنسان إلى قدرة روحية عظيمة ونفس كبيرة متعالية ذات استقرار عميق واطمئنان كعرض البحر، فهلا تمهلنا قليلا في عباداتنا وطاعاتنا حتى نحس ذلك في نفوسنا!