يهتم علم النفس اليوم كثيرا بظاهرة التسوق، وتجرى الدراسات والاستبيانات حول أشكال الاستهلاك لدى الفرد، وكمياته والدوافع إليه، ولا شك ان النتائج تختلف من بلد الى آخر تبعا للوضع المادي ومستوى الرفاهية للدولة، أو تبعا لمستوى الفرد نفسه.
ويختلف سلوك الاستهلاك تبعا للحالة الاجتماعية أو حتى النفسية والاقتصادية، وإذا تجاوزنا مبدئيا الأسواق العالمية والعربية، وتحدثنا عن السوق الكويتية أو المستهلك الكويتي، نجد أن هناك عشوائية في آلية التسوق لدى الكثيرين، سواء من النساء أو الرجال ومن مختلف الأعمار وهذا ناجم عن عدم وجود توعية استهلاكية في أسس التربية الأسرية أو المدرسية.
وتزداد عشوائية الاستهلاك في المواسم الدينية والوطنية، فقد تدخل محلات الأغذية واللحوم في شهر رمضان المبارك مثلا فتظن أن البلد يعيش حالة طوارئ، حيث العربات تحمل تلالا من المواد التموينية على شكل هرم، وأحيانا لا يكتفي الفرد بعربة واحدة، بل عربة يجرها هو، وأخرى تجرها الخادمة، علما بأن تعاليم الإسلام الصحية سبقت الطب الحديث بأكثر من ألف وأربعمائة سنة، كما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه. بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه». وكذلك تختل موازين الاستهلاك عندنا في المناسبات الأخرى كاستهلاك الكهرباء المبالغ فيه، وفي صالات الأفراح من هدر للطعام، وتتجلى عشوائية الشراء حين نسافر الى الخارج، فننفق الكثير أمام انبهارنا بالجديد في الأسواق.
وحين نناقش المسألة من جانبها الاقتصادي نجد أن المحللين الاقتصاديين يرون أن ظاهرة الاستهلاك المرتفعة تعني أن «القوة الشرائية في مجتمعات الدول المتقدمة والصناعية تعزز من الحراك الاقتصادي، ولذلك تعتبر ميزة ومؤشرا على نمو وتطور الاقتصاد. أما القوة الشرائية في الدول النامية والمستوردة لجميع السلع أو أغلبها فإنها تعبر عن نهم استهلاكي غير رشيد، ذلك أن تصاعد تلك القوة الشرائية يصب في صالح الدول المصنعة وهو يصدر الثروة الوطنية إلى خارج الحدود إلى الدول التي تم الاستيراد منها». وهذا الكلام يعني أن حيزا مهما من ثروتنا الوطنية تذهب الى أطنان الأرز المستورد واللحوم والمعلبات والسيارات وأجهزة الكمبيوتر وألعاب الأطفال الالكترونية، والهواتف النقالة والعطور والماركات العالمية، وتحديدا حين يكون هناك مبالغة وإسراف في استهلاك هذه المواد، وليس في حدودها الطبيعية.
وهناك اليوم جملة من المعطيات المستجدة أدت الى تخبط الاستهلاك عند الفرد غير المهيأ لضبط شؤونه الاستهلاكية، كالشراء عبر الانترنت والإعلانات البراقة، والتسهيلات «المراوغة» التي يقوم بها منتجو السلعة.
هناك نصيحة اقتصادية طريفة، وهي أنه «لا تتسوق وأنت جائع لأنك ستكتشف لاحقا أنك اشتريت أشياء لا لزوم لها»، ولكن يبدو أنه حتى هذه النصيحة لا تجدي عندنا نفعا، فالفرد منا وهو على مائدة الطعام يسأل زوجته عن طبخة الغد!
[email protected]