في العادة ترتفع أسعار المنتوجات الزراعية حينما تكون هناك كوارث مناخية، كالصقيع، أو العواصف والأمطار المتلفة للمحاصيل. اما وأن تفاجئنا هذه الظاهرة ونحن في مناخ طبيعي، فتلك هي المشكلة.
في مقالة سابقة تناولت في هذه الزاوية ظاهرة الأمن الغذائي، وتحديدا بعد الحرائق الكبيرة التي أصابت المحاصيل الزراعية فيما عرف بـ «حرائق روسيا»، وهو الحريق الذي كبد العالم خسائر فادحة في محاصيل الحبوب، وتنبأ وقتها المتخصصون بالأمن الغذائي بحدوث ارتفاع في اسعار المنتوجات الزراعية.
وعلى الرغم من أن ارتفاع الأسعار الذي حصل لا يرتبط بهذه الحرائق مباشرة، إلا أن الواقع الاقتصادي اليوم أصبح مثل أحجار الدومينو، اذا وقع حجر منه في القطب الشمالي، تداعت لها بقية الحجارة في القطب الجنوبي. خصوصا أن الأزمة هذه لم تخص الكويت وحدها فقد برزت في دول أخرى ومنها مصر حاليا.
والواضح أن النواب الذين تحدثوا عن غلاء أسعار الخضراوات، لم تتوسع رؤيتهم لأبعد من الفضاء الإقليمي الضيق، فبعضهم اختار أقرب مشجب ليعلق عليه الخطأ، فرأى أن وزير البلدية هو السبب: «تعطل نصف الشبرة عن العمل، وكان ذلك سببا لهجرة عدد من التجار فيها»، بينما راى نائب آخر أن السبب وهمي: «غلاء مفتعل ومتعمد من قبل بعض التجار الذين سول لهم جشعهم اللعب باحتياجات المواطن وزيادة أعبائه المادية على الرغم من معاناته في ظل غلاء طال أسعار كل السلع والخدمات». ولكن النائب صاحب هذه النظرية استبدل مشجب زميله بآخر، فاختار وزير التجارة، وحمله تبعية ما يحصل، متهما اياه بأنه مشغول عن هذا الموضوع بأحداث غرفة التجارة. واحيانا يكون نظرة العامة أكثر صوابا من نظرة المحللين المحترفين، لذلك فان معظم التعليقات التي وردت في مواقع الانترنت تشير إلى أن أحد أبرز الأسباب هو جشع بعض التجار واحتكارهم للسلع وتخزينها وتلاعبهم بالأسعار.. وفي هذا جزء كبير من الحقيقة.
قد لا نستغرب ان حصلت أزمة «طماطم وخيار» في بلد آخر، أما في الكويت فيجب ألا يحصل ذلك، لسبب أن الزراعة عندنا- قياسا إلى بلد آخر، ورغم كل الشكاوى التي تصدر عن المزارعين ـ زراعة مدللة ومدعومة، ومتوافر لها جميع السبل، منذ أن تكون حبة الخضار بذرة وحتى تستوي على عودها، وتتربع في الشبرات. وبعض هذه المشاكل تنجم عن خلافات بين المزارعين أنفسهم، بشهادة رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي الذي انتقد خلال حديثه مع رئيس وأعضاء الاتحاد الكويتي للمزارعين بعض المزارعين لحدوث المشاكل بينهم ووجود الحسد والمشاحنات وقيل وقال واتهامات متبادلة».
وهكذا نجد أن هناك تخبطا واضحا في تحليل الظاهرة ببعديها الاقتصادي والسياسي، ونقول السياسي، لأن بعض نواب الأمة يصر على ادخال السياسة حتى في أكياس الخبز. بينما نتجاهل الحلول المتاحة أمامنا بسهولة ويسر.. اي وباختصار نحن نبحث عن أزمة سياسية حتى ولو في «الشبرة»!
[email protected]