ما الدور الذي لعبته التكنولوجيا في تأجيج وشحن مشاعر الناس لتثور بهذا الشكل؟ وهل تم استنساخ طريقة المواطن التونسي محمد البوعزيزي عبر شبكة الانترنت في شوارع عربية أخرى؟ وهل يحتاج الشارع العربي لحرق نفسه كي يعبر عن رفضه أو حتى عن رأيه؟
وهل ما حدث في تونس، ويحدث الآن في مصر، هو تغيير أفريقي، أم عربي؟ وكيف يمكن أن يستفاد من هذه الدروس مستقبلا؟
الواضح من المشهد السياسي العربي، أن الكثير من الأنظمة لم تطور نفسها، ولم تعمل تحديثا على مؤسسات الدولة، بل ان بعضها اعتبر ان اي مظهر من مظاهر التكنولوجيا هي مشروع ثورة، لذلك فقد «جيشت» بعض البلاد العربية حشودا من الموظفين لمحاربة التكنولوجيا ومستخدميها بدلا من الاستفادة منها، وتسخيرها للتنمية العلمية.
ومن المؤكد أن ثورة الاتصالات كانت عاملا مساعدا في نجاح ثورة الشعوب، وبذلك تكون مخاوف بعض الأنظمة العربية في محلها، ليس لأن التقنيات المتطورة سيئة، بل لأن هناك ما تخشاه الأنظمة في هذه التقنيات، وهي أن يتم استخدامها كوسيلة سريعة الانتشار للتعبير والتأثير، وصعبة الاكتشاف أيضا، وهو ما أخرج الأنظمة الأمنية المتشددة عن طورها حين وجدت نفسها عاجزة عن اللحاق بكل ما يكتب على الشبكة العنكبوتية.
وقد لوحظ في السنوات الأخيرة، تشكل سريع لمجموعات ليس بالضرورة أن يجمعهم حزب ولا تنظيم، بل يكفي ان يلتقوا في الآراء حتى يشكلوا «خلية» ـ إن صحت التسمية ـ يبثون آراءهم الجادة والساخرة. كما انتشرت المدونات والتي كانت خطرا كبيرا يهدد الأنظمة التي لا تؤمن بالحوار ولا بالرأي الآخر.
وقد دخل أصحاب هذه المدونات في صراعات مع أنظمتهم، وتناقلت أخبارهم وكالات الأنباء العالمية.. وبعد ان كانت الصحف والمجلات حكرا على تراخيص حكومية، اصبح بإمكان اي شخص ان يفتح صحيفة او مجلة على الانترنت، حيث فضاء الحرية يمد أجنحته على مداها. ولم تفلح محاولات حجب هذه الصحف والمجلات بوجود ما يسمى بـ «البروكسي»، والذي بإمكانه كسر هذا القفل الالكتروني بسهولة.
وكانت الشعرة التي أثقلت حمل بعض البلاد التي تخشى التكنولوجيا، هو موقع «الفيس بوك»، ثم موقع «تويتر». فقد تشكل مجتمع كامل بكامل عناصره، من رجال ونساء ومثقفين ومتعلمين وحتى جهلاء ومتطفلين ومنهم الأخيار ومنهم الأشرار.. ومنهم من يعلن اسمه الصريح وآخر يتخفى وراء اسم مستعار، وهو ما يسمونه بعالم التنظيمات بالاسم الحركي.. كل هذا لم تستطع بعض البلاد أن تحتويه، فعاملته بشكل تعسفي، مما أعطى نتيجة عكسية تمثلت في احتقان فانفجار.
لذلك يفترض اليوم ببعض البلاد العربية أن تعيد النظر في آلية تعاملها مع معطيات العصر، بدءا من الإقرار بوجود نظام عالمي جديد ـ سواء اختلفنا او اتفقنا معه ـ وصولا الى زر الكمبيوتر.. واعادة النظر في التعامل مع التكنولوجيا يعني إعادة النظر في التعامل مع الشعوب.
[email protected]