قد لا يدرك الكثيرون أن الكويت من أكثر الدول تضررا من كل دول المنطقة، فيما لو حدثت فيها ـ لا قدر الله ـ أي مشاكل طائفية، والسبب أن التركيبة البشرية في الكويت غير مبنية على أساس طائفي منذ بداية تأسيسها وغير مهيأة لذلك أصلا، فقد شاركت الطوائف جميعها في صناعة القرار السياسي، وساهمت في وضع آلية الحكم، وعملت جميعها على انشاء المؤسسات المدنية.
بمعنى آخر، فإن الديموقراطية التي جاءت عبر الدستور بعد الاستقلال، كانت نتاج حراك جماعي لكل طوائف الكويت، وقد حصل هذا في وقت كانت المعطيات السياسية فيه تعد بسيطة، ولا تحمل هذا التطور الذي نشهده اليوم.. ومع ذلك نجحت.
هذا التأسيس الصحيح للتركيبة البشرية أدى إلى تداخل في جميع فعاليات الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فحصلت تحالفات وشراكات وانشطة مشتركة بين هذه الطوائف، ومن هنا تأتي الخسارة الكبرى فيما لو وقعت فتنة غاشمة، لأن موقظي هذه الفتنة لا ينظرون أحيانا أبعد من لحظة التعصب التي تتحكم في عقولهم وأهوائهم، وتنسيهم ما هو اكثر فائدة ونفعا لأهل الكويت. الأمر الآخر الذي لا يبرر قيام فتنة في الكويت، هو أن الطوائف هنا تعامل بسواسية وفقا للدستور وللواقع، فحرية العبادة مكفولة للجميع، وبالتالي فالشعارات التي تكتب اليوم على المساجد، يفترض بنا حصرها في اطار «شخبطات» يحاول أصحابها تحويلها الى عود ثقاب لإشعال الفتيل الأحمق. وكنا نأمل من عقلاء الطوائف وحكمائها ان يطفئوا بنفخة موحدة لظى عود الثقاب هذا قبيل اكتماله، ولكن يبدو أن عقلاء الحاضر غير عقلاء زمان.. أقولها بمرارة شديدة.
لذلك فإن لم نقف اليوم في وجه تدفقها، فستتحول إلى سيل جارف لا يمكن السيطرة عليه، تلك هي الفتنة التي بدأت بمستصغر الشرر، وبدلا من أن نجلس على مائدة الحوار كحالة منطقية واعية، فان بعض النواب فضلوا النقاش على طريقة الـ «مطاقق» بالعقل.
[email protected]