كان مديرا ناجحا يمتلك صفات القائد الإداري والمخطط المتابع الجيد والمراقب لكل أمور إدارته، لديه قدرة على صنع واختيار الكفاءات وتدريبها ومنحها الصلاحيات اللازمة.
يمتلك رؤية ثاقـــبة وقدرة على امتلاك نظرة مستقبلية لإدارته لتحقيق الأهـــداف، يرسم ويضع مجــموعة من الأهداف والعوامل المطـــلوب تحقيقها.
يتميز بامتلاكه القدرة علـــى شرح أهدافه وتبسيطها بأسلـــوب سليم بهدف تنفـــيذها من قبل العاملـــين لديه.
التشاور من سمات شخصيته القيادية، ويبتعد عن الاستبداد برأيه، ينقل خبراته لمن هم أدنى منه ولا يبخل بتزويدهم بالمعلومات والخبرات اللازمة كي يتحسن أداؤهم لوظائفهم، ومنحهم مفاتيح النجاح لتنفيذ العمل بفعالية وكفاءة دون تقصير.
ينفذ القوانين باقتدار ويحرص على أن يكون هو القدوة التي تحتذى.
تلــك أبرز مواصــفاته التي تركـها بعد إحالته إلـــى التقاعد كأي مســـؤول آخر.
فمرحلة التقاعد تختلف مفاهيمها باختلاف كل واحد منا حول استيعابه لها، فتجد من شمر ذراعيه لها واستقبلها بكل ما تطلبه هذه المرحلة مـــن استعداد، وآخرون تجــبرهم انتكاستهم على الاستسلام المهين.
منهم من أمن نفسه من تقـــلبات الزمان وأسس لنفسه عملا تجاريا أو غيره من الأعــمال لينجح في إعادة ذاته المهنية التي ســلبها منصبه السابق بعد أن تــركها داخل أسوار عمله السابق، وآخرون (يبي) الواحد منهم السلامة ليـتقوقع عند أم العيال والارتماء بأحضانها، ومنهم من اختار (النحشة) كي لا يواجه حقيقة الواقع الجديد بمرارته وبلاويه، هذه المرحلة يصفها البعض ببداية النهاية، طرقها وعرة وأوديتها مليئة بالمخاطر والآلام والآمال الخرافية، أجواؤها لا تعرف الاستقرار ولا الركود، دائمة (العوافير) والتقلبات، تخطفها تيارات جارفة خطرة تحلق بأحلامهم في محيط واســـع تسبح بسماء المجهول، منهم من يتجنب نوم الليل الطويل، ليتحاشوا سطوة الأوهام والكوابيس المؤلمة، أذان الفــجر بعيد وشروق الشمس يحتاج صبر أيوب ونهار الغد يحكمه الخوف من ألا يأتي، وعقارب ساعاتهم تنافس بطء السلاحف في حركتها. يرون الحياة من زوايا ضيقة، نورها يبرق من بعيد لا يطال.
نرجع لمديرنا الذي كان عبقري زمانه، فقد أسعفه حظه وقدرته على التخطيط لأن خلق لنفسه مهنة يرمم شروخ جدار الصمت الذي أطبق على صدره، فقام بشراء جاخور وتخصص في تربية الطيور والحمام واكتشف أن هذه المهنة تساعده على تمكين سلامته النفسية وتحفظه - بعد الله - من الإصابة بأمراض الشيخوخة المبكرة وهجوم الزهايمر شديد الكراهية والتكيف مع (النسرة) أم عياله التي (زهقت) من جلوسه في البيت! فلجأ للحلوة (النمساوية) والشمحوطة (الشيرازية) وتعلق قلبه أكثر في (الصنعاوية) وتمسك بـ(المالطية) تلك هي أسماء بعض ما اقتـــناه من الحمام ليجد ضالته في إشباع حاجاته النفسية التي فقدها حال خـــروجه للتقاعد، ثم انتسب لثـــقافة جديدة قوامها (كش) الحمام ليتعامل مع أنواع جديدة أخرى منها مثل: (ياهوه، شمسي، وقواق، ياغولي، رواعب) وهكذا.. فكسب نفسه وخسرناه كما خسرنا غيره من الكفاءات والخبرات الوطنية بعد أن نجحنا في طمسهم ودفن خبراتهم في (بواليع) كبد والعبدلي والوفرة ثم نصرخ بأعلى الصوت (فساد، ترهل اداري، سرقات... الخ) فتدنى الإنجاز ولم نعد قادرين على خدمة مجتمعنا وتنميته.
بقي هذا المدير (المطيرجي) على قيد الحياة خلاف غيره من الذين يتشابهون في ظروفه، لكنهم انتقلوا لجوار ربهم وآخرين (استخفوا) أو وقعوا أسرى أمراض مزمنة مثل (الكــبت) أو تلوث عقلي ليصبوا جام غضـــبهم على أهـــل بيوتهم أو جـيرانهم فلم يســلم منهم أحد.