ماذا خلفت حرب غزة بين صفوفنا؟! لم نترجم غضبنا للأسف إلا عبر أصوات عالية نطلقها هنا وهناك، ولم تزدنا إلا فرقة وضعفا.
أعلم جيدا أن الدافع لكل هذا هو الحمية والشعور بالرغبة في فعل أي شيء ولو كان بسيطا يسهم في إيقاف المجازر الحاصلة، ولكن إن أمعنا النظر فسنراها تصب في منحى آخر، ويا ليتنا نعلم أننا نزيد بفعلنا المتعصب المتحيز شق صفوفنا وزعزعة وحدتنا العربية، هذا إن صحت لنا تسميتها بـ«وحدة».
أعلم جيدا حجم الغضب، الحزن، الأسى والضعف الذي خلفته الحرب في أنفسنا، غضب يصف حالنا العاجز عن إيقاف انتحار الإنسانية الحاصل، حزن وأسى على مناظر مرعبة تتصدر شاشات أجهزتنا، فنختنق دموعا وألماً، ضعف وخزي يتملكنا لوضع العالم بأسره الذي ليس له إلا التنديد بكل ما يحاك بمنهجية ودراية.
ولكن بالله عليكم هل فرقتنا ونقاشاتنا العقيمة هي الحل؟! هل هذه الترجمة لمشاعرنا الغاضبة كأفراد ممكن أن تغير واقعا؟! إن أكثر ما نحتاج اليه في وقتنا الراهن أن نلتفت إلى وضعنا: ما الذي ينقصنا حتى نصبح كيانا مستقلا باقتصاده، بصناعاته وبعلمائه، أن ننهض بدولنا وتنهض بنا، أن نستغل خيرات بلادنا حتى نكون قوة مرعبة لأعدائنا، أن نكون الحلقة الأقوى والأكثر تأثيرا في هذا العالم، ولكن هل يصنع كل هذا النزاعات التي نراها بيننا؟!
أعلم جيدا أن السياسة لعبة، ولعبة قذرة جدا، فيها ما فيها من الخبايا والظلم محركها الأساسي الطمع والجشع وشعور بالاستبداد والطغيان، إن كانت السياسة بهذا السوء، فعلى الأقل دعونا كشعوب وأفراد ننبذ كل ما يشق صفنا ويزلزل أرض وحدتنا، أن نغلق كل باب نقاش لا يقدم أو يؤخر بل ربما يخلف قطيعة وسبا وقذفا بين إخوة أو أصدقاء، أن نرقى ونرتقي بأنفسنا وأبنائنا، فنكون نحن اللبنة الأولى لمجتمع واع متحضر ينبذ الخلاف وشق الصف، فلم تنشب الحروب الداخلية إلا من خلال شق الصفوف وزعزعة النفوس.. فلا تستهينوا بتلك الخلافات، تبدأ وكأنها خلافات بسيطة وإبداء وجهة نظر وتنتهي بنفوس حاقدة محملة بالغل والضغينة.
لا نستطيع أن نقمع الظلم والقتل الحاصل وكم هذا مؤلم، ولكن لنقطع رأس شق صفوفنا قبل أن يظهر، ليس لنا حول في إيقاف جندي يقتل طفلا بريئا لم يختر أن يولد هنا، وكم هو مخز ومزعج، فلنرب أطفالنا على أن يكونوا أحرارا بقوتهم الفكرية والاقتصادية وهويتهم العربية، أن يشكلوا ملامحها الجديدة، فملامحها القديمة باتت مشوهة للأسف.