يتحاشى الآباء تدريس ابنائهم لحاجتهم للوقت الكبير والجهد البدني والتركيز الذهني الا ان فوائده كثيرة وكبيرة جدا اذ احسنا توظيفه التوظيف الصحيح في الاقتراب من الأبناء ومعرفة آخر اخبارهم الاجتماعية وعلاقاتهم داخل وخارج المدرسة، والوقوف على حقيقة وضعهم الدراسي، ومعرفة اهم المعوقات والمشاكل التي يواجهونها في حياتهم.
ومن فوائد تدريس الأبناء كذلك الوقوف حتى على أوضاعهم الصحية التي عادة لا يبوح بها الأبناء الا بهذه الجلسات الخاصة، وكذلك اشعارهم بأهميتهم واهمية تفوقهم ونجاحهم لانفسهم اولا ثم لأهليهم ولمجتمعهم، فضلا عن اهمية الاقتراب العاطفي والوجداني معهم، رغم ما يعتري التدريس احيانا من انفعالات غضب، وهذا امر طبيعي ضمن الحدود المعقولة.
وحين كنت منهمكا في مراجعة مادة العلوم مع ابني في الصف السابع مررنا على قوانين علم الفيزياء، وقد أردت التأكد وقتها من مدى فهمه واستيعابه لقانون الشغل وهو (الشغل= القوةx الازاحة) لفت نظري قاعدة مرتبطة بهذا القانون تقول (في حال بذلت قوة ما - مهما كبرت تلك القوة - لإحداث فعل ما او تحريك جسم ما ولم يتحرك ذلك الجسم ولم يتزحزح عن مكانه، فلن يعد ذلك شغلا).
فإنه رغم القوة الكبيرة المبذولة ورغم الزمن الكبير المنقضي في سبيل احداث ذلك الفعل الا ان الشغل الناتج لا يعدو ان تكون قيمته صفرا كبيرا، اي كأننا بمعنى آخر لم نفعل او ننجز شيئا، او بالمثل الكويتي «كأنك يا زيد ما غزيت».
فسرحت وقتها للحظات عن تدريس ابني، وتأملت تلك الجهود الضخمة المبذولة في مجالات الحياة الواسعة من عدد كبير من الأفراد او المؤسسات ونتائجها وللأسف صفر، ان لم تكن سالبة، وهذا ينبئك بمقدار الجهود والأوقات الضائعة والمهدرة بمجتمعاتنا بسبب سوء الإدارة وغياب الرؤية. فتجد الحكومة تذهب باتجاه الاستثمار في احد المشاريع لكي تزيد وتعدد وتنوع مصادر دخلها وايرادها، الا انه ونتيجة لغياب التخطيط والرقابة تكون الخسارة محققة وعكس ما ارادت، وتجدها كذلك تذهب باتجاه تكويت الوظائف الحكومية وتعلنها حملة وطنية وتضع لها برنامجا زمنيا، فتكون النتيجة وللأسف بعد كل هذا الجهد والوقت بدائل كويتية ضعيفة وغير مدربة وغير مؤهلة للعمل، وسرعان ما تتسرب من الوظيفة فضلا عن ان تكون بديلا منافسا للعمالة الوافدة.
وتجد الطالب في دراسته يبذل ساعات طويلة يقضيها مع كتبه المدرسية بزعم الدراسة ولكن كل ذلك الجهد والوقت المبذول من هذا الطالب لا يعدو ان يكون هباء منثورا لأن التركيز كان في أضعف حالاته، وبالتالي النتيجة سلبية حتما، فالقضية ليست وقتا نقضيه ولكنها نوعية الجهد المبذول لتحقيق الهدف المطلوب.
وتجد المرأة في بيتها تقضي الساعات الطوال مع أبنائها بالمنزل بغرض التواصل معهم وتوجيههم ولكنها تقضيه ليس بقلبها ومشاعرها، فمن الطبيعي انه لن يحصل تقدم في العلاقة مع الأبناء، والسبب نوعية الجهد المبذول لتحقيق ذلك الهدف السامي.
وتجد الأب يقضي ساعات طولة خارج البيت بغرض جمع المال لأبنائه ليضمن لهم حياة كريمة، وفي المقابل تركهم ولم يعرفهم بقيمة ما يبذل من جهد في سبيل إسعادهم، فتجدهم لا يقدرون ذلك الجهد المبذول من والدهم لأجلهم فيضيعون المال ويطلبون المزيد، فهل تحققت تلك السعادة التي سعى ذلك الأب من اجل تحقيقها؟
فنحن في تلك الحالات أحوج ما نكون الى تحديد ماذا نريد بوضوح، وان نكون على معرفة ودراية بأفضل الطرق لتحقيق ذلك من غير تضييع للأوقات في امور ثانوية تبعدنا عن جوهر ما نريد، سواء كنا افرادا او مؤسسات.
فالشغل، كما عرفه اهل الفيزياء، هو القوة المبذولة لتحريك جسم ما من مكانه مسافة ما او تنفيذ فعل ما، فإن لم يتحرك الجسم او ينفذ الفعل مهما بلغت القوة المبذولة، فلن يعتبر ذلك شغلا بأي حال من الأحوال ولن يعد إنجازا.
awadh67@
[email protected]