لن نبالغ إذا قلنا إن الإعلام له تأثير ساحر على عقول الناس، وتوجيه الرأي العام، وصنع الاتجاهات الفكرية والثقافية والاجتماعية، فضلا عن دوره الحيوي في النواحي السياسية.
وعلى مدى عقود طويلة مضت يعتبر الإعلام السلطة الرابعة بعد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهذا ليس بغريب إذا ما تفهمنا كيف يتحكم «الإعلام» في مصائر المجتمعات عبر ما يتبناه من قضايا وأولويات.
ما يدعو للأسى أنه في الوقت الذي يستخدم الغرب الإعلام لفرض أجنداتهم وإنجاح مخططاتهم، يقف الإعلام العربي أسيرا عاجزا عن صنع التنوير الحقيقي وإيصال الرسالة السامية التي يحملها عبر خطط واعية ورؤى متكاملة لتثقيف المجتمعات وتنشئة الأجيال الجديدة لتكون مسلحة بالأفكار السلمية، والقدرة على تحليل الأحداث وتجنب الوقوع في المهالك.
وها نحن على أعتاب شهر رمضان المبارك، شهر العمل والطاعة، نجد إعلامنا العربي مشغولا بالإعلان عن برامج ومسلسلات لخطف المشاهدين خلال الشهر الكريم، ورغم أننا لم نقف على حقيقة هذه الأعمال بعد، إلا أن تجربتنا من الأعوام الماضية تؤكد أن معظم هذه الأعمال تقوم على الإثارة والإبهار لإلهاء الناس عن العبادة، وقتل الإبداع في نفوسهم.
إن التاريخ العربي والإسلامي عامر بالكثير من القصص والروايات الغنية بالقيم النبيلة والأفكار البناءة والقدوة السديدة، والمعلومات القيمة، والأحداث السليمة، لكن إعلامنا العربي حتى الآن لم ينجح في الاستفادة من هذا التاريخ الثري في تقديم أعمال قيمة.. إلا ما ندر.
بل والأدهى والأمرّ أن بعض الأعمال تضمنت تزييفا فجا للأحداث والحقائق، ونقلت صورا غير حقيقية، انطلاقا من أهداف القائمين على إنتاجها، إما بحثا عن الربح المادي أو لنشر أفكار مغلوطة لأغراض دنيئة.
وللأسف السباق المحتدم بين الفضائيات العربية على الفوز بأكبر شريحة من المشاهدين خلال هذا الشهر الكريم، لا يراعي حرمة الصيام ولا الحكمة الربانية منه، فبدلا من الاقتداء بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يدعون المولى عز وجل قبل رمضان بـ 6 أشهر كي يبلغهم إياه ويعينهم على طاعته فيه، ويظلون يدعونه 6 أشهر أخرى بعده كي يتقبل أعمالهم فيه، نجد شعوبنا حاليا مشغولة بمتابعة أعمال وبرامج خاوية الفكر والمنطق.
ويتحول شهر السباق على الطاعة إلى تجمعات أمام الفضائيات ليلا، وكسل عن العمل نهارا.. وكأننا لم نقرأ قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
الغريب أن كثيرا من الناس وخصوصا من فئة الشباب يتجمعون أمام المساجد ليتذكروا أحداث ما يتابعونه من مسلسلات وبرامج بدلا من التنافس في حفظ كتاب الله أو تدارس آياته وتدبر معانيه.
بالطبع أمام هذه الصورة يقف الإعلام مسؤولا إن لم نقل «متهما»، فالإعلام بكل صوره المقروء والمرئي والمسموع يجب أن يجند أدواته لتحقيق أهداف أمته، والسعي بكل جدية لحفظ تراثها والارتقاء بفكر أبنائها، لكنه انساق وراء الأمور الدخيلة والأفكار المسمومة.
للأسف تبدلت الثقافة في مجتمعاتنا، وبدلا من الاستعداد لشهر التقوى صرنا نتسابق على مهرجانات التخفيضات لشراء ما لذ وطاب، وأصبح الإنفاق على الموائد في هذا الشهر يفوق غيره من الشهور بأضعاف مضاعفة، فهل تناسينا أنه شهر صيام وليس شهر أكل؟!.
لا نملك إلا أن ندعو القائمين على الإعلام في مختلف دولنا العربية والإسلامية إلى تحمل مسؤوليتهم نحو هذه الأمة، والنظر إلى عراقة تاريخها وقيمة تراثها ومستقبل أبنائها، والانتباه إلى دوره الحقيقي في التثقيف والتنوير.
وفي الختام نرفع أسمى التهاني إلى صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وإلى سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد وإلى الشعب الكويتي وأبناء الأمتين العربية والإسلامية بهذا الشهر المبارك وندعوه عز وجل أن يعيده على الجميع بالخير والبركات.