حدثني صديق فقد عمله مؤخرا بعد سنوات كثيرة من الاستقرار في العمل نفسه، وطلب مني استشارة ماذا يفعل وهو في منتصف الأربعينيات. سألته: «هل حققت حلمك في عملك السابق»؟ أجابني: «لا»، قلت له: «هل لديك حلم»؟ رد: «نعم، حلمي ان أعود الى بلدي بعد سنوات من الغربة».. فطلبت منه أن يلحق حلمه.
لدي قناعة أخذت تتأكد لدي في السنوات الأخيرة أن الحلم وحده يحقق المال والثروة وليس الوظيفة المستقرة. عندما يحلم الإنسان بأمر ما، وظيفة، عمل معين، هواية يتقنها ويبدع فيها، يمكنه أن يصنع المال بسهولة، وليس العكس.
إذا تصنعت الراحة في وظيفة ما، فلا شك أنك لن تبدع لأنك ببساطة لا تحب الوظيفة وإنما تمارسها من أجل المال او «لقمة العيش» كما يقولون.
وكثيرون لا ينهون «وظائفهم» بحثا عن حلمهم، بل يتم إنهاء وظائفهم، مثل صديقي المذكور، وبدلا من أن يعتبرها فرصة له للبحث عن حلمه، يعود الى الهم نفسه في التفتيش عن فرصة عمل شبيهة، والرجوع الى نقطة الصفر من جديد، فلا أبدع في العمل الجديد ولا حقق حلمه، والدخل هو نفسه سيحصله، ولن يتطور ولن يستفيد شيئا، وعلى الأغلب لن يجمع ثروة تجعله مليونيرا.
لدي صديق آخر فعل عكس ذلك، فكر بحلمه وأنهى وظيفته التي كانت تدر عليه دخلا كبيرا. سألته: «لماذا فعلت ذلك؟» أجابني: «لست سعيدا ببساطة، أعمل كثيرا ولدي أموال لا أصرفها على نفسي لأني مشغول دائما، فلا جدوى منها، ليس لدي وضوح ما أريد وما هو حلمي لكني سأبحث»؟ سألته: «وكيف ستتدبر أمور حياتك»؟ قال: «لو فكرت بطريقة تقليدية كأن أحصل وظيفة أخرى بنفس راتب وظيفتي لما أخذت هذا القرار، ما سأفعله هو التفكير بضغط مصاريفي قدر الإمكان، والبحث عما يغطي لي هذه المصاريف فقط، مع حرية كاملة لي ولحياتي»؟ وما هي إلا شهرين ووجدته قد أصبح «أوبري» أي سائق «أوبر»، ومن خلال عمله تمكن من إغلاق مصاريفه الشهرية مع حرية له في العمل من دون وجود أي ضغوط وجداول وأعمال يومية لا تنتهي.
ربما ليست «أوبر» حلمه، او حلم كثيرين، لكن صديقي فكر بطريقة عملية، وهي الأهم في القصة، فليس مهما كثيرا أن يكون لديك فوائض في نهاية الشهر، بينما أنت غير سعيد في مهنتك وحياتك وعملك، لأن في نهاية الأمر هذه الفوائض ستبدد في أمور كثيرة، وانت تكرر نفسك كل يوم بلا جدوى. لكنك لو حققت حلمك، فأولا ستكون سعيدا، والسعادة بحد ذاتها ثروة، لأنها ستدفعك إلى التميز والانطلاق والتفكير والإبداع، وهي معايير صناعة الثروة، التي تفترض بالفكرة أن تتميز وتكون مبدعة.
ولا تفكر في الربح ولا بالثروة عندما تحقق حلمك، فقط فكر ان تكون في منطقة صفرية قدر الإمكان، اي اضبط مصاريفك لتتماشى مع إيراداتك، ليكون دخلك صفرا في آخر الشهر، وحاول ألا تنزل تحت الصفر لكي لا تقع في أزمة وديون. عندما تصل الى هذه المعادلة، كل الأمور ستصبح سهلة، لأنه لم يعد لديك هم كبير في زيادة ثروتك، ولا في دخل إضافي آخر الشهر، كل ما تريده هو الحد الأدنى للحياة. ولاحقا ستبدأ الثروة هي التي تأتي إليك، لأنك سعيد ومندفع للحياة والعمل، وقد اعتدت أن تعيش بالحد الأدنى، ولأن المخاطرة أصبحت سهلة عليك، فأنت أصلا تعيش في دائرة صفرية، فما هو الأسوأ من صفر؟!
boumeree@
[email protected]