يدور جدل كبير حاليا بشأن ضرورة فرض ضرائب على الأكثر ثراء، لأن الفجوة بين الطبقات - أغنياء وفقراء - أصبحت مخيفة. يكفي سرد ما قالته منظمة «اوكسفام» البريطانية غير الحكومية ان «ثروة 1% من أغنى أثرياء العالم تفوق بقية ثروات العالم مجتمعة».
هذا الواقع يزداد يوميا، وبدأت اكثر الدول الرأسمالية مثل الولايات المتحدة الأميركية يتحدث فيها المرشحون للانتخابات الرئاسية المقبلة عن ضرورة ردم الفجوة بين الطبقات، وفرض ضرائب على الأغنياء.
هناك موجة من المرشحين من الحزب الديموقراطي الذين اصبحوا يلقبون بالمرشحين الاشتراكيين، حيث هناك من هو يساري متطرف مثل بيرني ساندرز الذي يذهب بعيدا لفرض ضرائب ضخمة على فائقي الثروة، وإعطاء خدمات مجانية بالصحة والتعليم وغيرها للطبقات الفقيرة من أموال الأغنياء، او اشتراكية معتدلة مثل إليزابيت وارين التي تطالب ايضا بتصحيح الخدمات العامة من صحة وتعليم وفرض ضرائب على الشركات الكبيرة.
لا شك ان هناك بعدا سياسيا في الملف الأميركي، حيث يأتي التصويب على الشركات الكبيرة بسبب ما فعلته إدارة الرئيس الحالي دونالد ترمب في العام الماضي، عندما خفضت الضرائب على الشركات من 35% الى 21%. وطالت الانتقادات خطوة ترامب معتبرة انها لم تفد الاقتصاد بقدر ما أفادت إدارات الشركات نفسها التي وزعت على نفسها الأرباح الطائلة بفضل فارق خفض الضرائب.
لكن فعليا، وبعيدا عن السياسة، هناك موجة عالمية من الغضب بين الطبقات في كل مكان، حيث تشتغل مظاهرات في دول عدة في العالم، بسبب هذا الواقع المخيف في زيادة الفقراء مقابل استئثار القلة بالمزيد من الثروات.
وهذا الأمر يحدث بوضوح الآن في العالم العربي، الأكثر عرضة لموجة الاحتجاجات، حيث بدأ مع الربيع العربي بعد ان تركزت الثروات بين الطبقات الحاكمة على حساب الشعوب، وكانت ثورة الناس في تونس ومصر وسورية وليبيا، ثم انتقلت حديثا الى العراق ولبنان.
فالناس كانت ترضى سابقا بمعادلة الصمت مقابل المال، لكن بما انها أصبحت فقيرة جدا، فلا منطق من ان تكون فقيرة وصامتة، فثارت غاضبة مثل نيران مشتعلة لا يمكن لاحد توقيفها.
ففي لبنان مثلا وصل الامر إلى ان أثرياء السلطة الحاكمة، اتفقوا على زيادة ثرواتهم بشكل غير محدود عبر زيادة الضرائب والاستفادة غير المشروعة من ديون الدولة وفوائدها، ولم يلتفتوا للحد الأدنى من إصلاح البنية التحتية مثل الكهرباء والماء (حقوق الناس الأساسية) او إيجاد فرص عمل للناس لكي تستمر في حياتها اليومية، في جشع لتجميع المال لم يعد احد يصبر عليه، فكانت الثورة الحالية.
المشكلة ان تكديس الثروات هي سمة غالبة عند فائقي الثراء اليوم، مع ان المال لا يفترض ان يكون وسيلة، وإنما فرصة لهم لتطوير أعمالهم وتوسعاتهم، ما يخلق فرصا للآخرين وينمي ثروتهم بشكل عادل.
وهناك ايضا مسؤولية أخلاقية في التفكير بالآخرين، وأصبحت تنتفي شيئا فشيئا، في وقت هناك ذريعة بأن القانون يسمح بهذه الاعمال غير الأخلاقية في تكديس الثروات وزيادتها طالما ان مصادرها قانونية.
وإذا استبعدنا الجانب الأخلاقي، فحتى اقتصاديا لا يوجد منطق في عدم تحريك الثروات، في وقت أصبحت الفوائد منخفضة جدا في أغلب اقتصادات العالم، وحتى أصبحت صفرية في دولة أوروبية، فما هو المنطق بعدم أخذ مخاطرة أكثر!
ان استمرار هذه الحلقة المفرغة من اتساع الفجوات بين الأثرياء والفقراء، قد تؤدي الى موجة من تغييرات جذرية في أنظمة السياسة والاقتصاد، وما المظاهرات في أوروبا وأميركا الجنوبية والعالم العربي والدول الآسيوية، مرورا بالمرشحين الأميركيين الاشتراكيين إلا بداية الشرارة!
boumeree@
[email protected]