يدور جدل في الكويت حول اكتتاب شركتي بورصة الكويت والزور للكهرباء، وإذا ما كان حلالا أو حراما الاكتتاب في هاتين الشركتين. وبعيدا عن الجدل الشرعي، وهو خارج اختصاصي، كما هو الاقتصاد خارج اختصاص رجال الشريعة، لابد من شرح الخلفية الاقتصادية خلف خصخصة الشركتين عبر فتح مجال للمواطنين للتملك نسبة 50% منها.
كانت الدولة قبل الموافقة على قوانين الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص تملك معظم الثروات والمرافق العامة في الكويت. وتحت ضغط المطالب الشعبية بضرورة توزيع الثروات، وبعد أن دخلت البلاد في أزمة العجوزات المالية لزيادة المصاريف مقارنة بالإيرادات، التي تراجعت بدورها بسبب انخفاض أسعار النفط، أصبح ملحا على الدولة أن تبيع أملاكها لكي تغلق العجز المالي في ميزانياتها.
وهذا أمر، وإن كان مؤشرا سلبيا بضعف إيرادات الدولة، إلا أنه إيجابي للأفراد بأن تكون لديهم فرصة لتملك اقتصادهم، بدل أن يكون محتكرا لدى الدولة.
وفعليا كل الدول التي خصخصت اقتصادها عبر فتح مجال لملكية الأفراد للمرافق العامة، مثل بريطانيا على سبيل المثال، استفادت بأن شركاتها أصبحت أكثر كفاءة في إدارة هذه المرافق، وقللت التكلفة على الميزانية والاقتصاد، وأصبحت الشعوب فيها أكثر مراقبة وانخراطا في الحياة العامة والسياسة والاقتصاد. فكلما زاد هذا الانخراط ارتفعت مستويات الديموقراطية في هذه البلاد. وهذا الأمر ينسحب على التجربة الأميركية، وإن كانت مختلفة نوعا ما، كون الاقتصاد الأميركي مملوكا في معظمه للأفراد، وهناك حرية في التملك للثروات، والدولة لا تملك شيئا تقريبا في الاقتصاد. ويلاحظ أن الديموقراطية الأميركية هي بين الأكثر تقدما، ويعتبر الحق في التعبير المادة الأولى في الدستور الأميركي.
لذلك، فهناك ارتباط بين تملك الأفراد وزيادة الديموقراطية والحرية الاقتصادية، وهذا يؤشر الى ما قد تحدثه فرصة تملك الأفراد في الكويت للمرافق العامة، مثل البورصة وشركات الكهرباء، عبر نموذج الشراكة بتملك المواطنين 50% من هذه الشركات، مع وجود قائمة من الشركات التي سيتم تخصيصها بنظام الشراكة، وهو أمر سيغير المشهد الاقتصادي والسياسي في الكويت بمرور الوقت. فمن يملك الآن، سيصبح مع الوقت هو المحاسب والمراقب على أداء هذه الشركات، وسيرتفع نظام المساءلة العامة، لأنه ببساطة الناس وضعت مالها في الشركات، وهم ينتظرون توزيعات لأرباح هذه الشركات. وستصبح التوزيعات جزءا من إيرادات الأفراد، كلما هبط النفط وقلت أجور الناس ودخولهم.
ومن حق كل شخص أن يتخذ قرارا بعدم الاكتتاب أو الاستفادة من الفرصة الحالية في الاكتتابات، مهما كانت الحجة دينية أو ربما مادية، لكن حتما هناك أبعاد لهذه الاكتتابات أكثر من كونها شركات يتم تخصيصها. وفعليا هناك اتجاه عام بدول الخليج لبيع الملكيات العامة، وما «أرامكو» إلا أكبر دليل، فهناك أزمة حقيقية بتراجع الإيرادات مقابل زيادة المصروفات لزيادة عدد السكان والمطالب الحياتية المستجدة، والحل ببيع الملكيات العامة، هذا حدث في الثمانينيات في بريطانيا ايضا. لذا ما تقوم به الكويت هو سياق خليجي ويفترض أن تستفيد الشعوب الان من هذا التحول التاريخي.
boumeree@
[email protected]