مع أن العام 2019 بدأ كسنة أخرى للتحديات الاقتصادية الصعبة مع أخبار مشاكل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والمناوشات الترامبية مع دول العالم لتصحيح مسار التجارة البينية بين الولايات المتحدة واقتصادات عدة، والتي أطلقت شرارة حرب تجارية مفتوحة في شهر مايو بين واشنطن وبكين، إلا أن عام 2019 انتهى بارتفاعات تاريخية لبورصات أميركية وصينية.
يظهر ذلك أن التوقعات لا تصيب دائما، والمستثمرون يميلون للتشاؤم، ربما لأن «المال عزيز» والمستثمر جبان، كما يقال. لكن هي الأحداث هكذا، تقرأها وقت حدوثها، وعليك أن تعطيها معنى وتفسيرا، خصوصا إذا كان هناك غموض في الأفق، وشخصيات جدلية لا تعرف أين يمكن أن تأخذك.
فهتلر لم يظهر قبل ألف سنة، بل ظهر قبل أقل من 90 عاما، وجر العالم لحرب عالمية ثانية. لذلك لا يمكن أخذ تحركات ترامب السريعة وحروبه التجارية إلا على محمل الجد. وعندما بدأ حربه مع الصين، هز اقتصادات العالم، وحذر صندوق النقد من ركود اقتصادي عالمي، وهوت البورصات من أميركا الى الصين.
لكن راقب ماذا حدث في النهاية، بورصات أميركا في مستويات تاريخية، و«ناسداك»، بورصة الشركات التكنولوجية، التي كانت أكبر مشكلة في ظل الحرب التجارية، بسبب تصنيع معظم هذه الشركات في الصين، تحولت الى مكاسب تجاوزت 35% ومؤشرها قفز قبيل نهاية العالم فوق 9 آلاف نقطة، بعد ظهور إشارات انتهاء الحرب التجارية بين واشنطن وبكين في شهر أكتوبر، والتوصل الى اتفاق تاريخي بين أكبر اقتصادين في العالم بشهر ديسمبر.
في المقابل، حققت بورصة «شنزين» الصينية مكاسب قياسية أيضا تجاوزت 44%.
فمن كان يصدق أنه منذ أشهر قليلة كانت هناك حروب تجارية وخوف وتشاؤم حول مستقبل اقتصادي أميركا والصين، لتتحول الى مكاسب تفوق أي توقعات؟
إن ما حدث يشرح عالم الاستثمار والمال، ومن خلفه لعبة الأسهم، فهنا عليك دائما أن تعيش في دوامة الصعود والهبوط، وان تفسيرهما لدرجة أن الاستقرار في البورصات ليس خبرا، ولا أحد يلتفت له، ونجد، نحن الصحافيين ومن خلفنا من المحللين الاقتصاديين، صعوبة في تبرير الاستقرار.
فالصعود له أب دائما وسهل ربطه بعبارة مطاطية «ارتياح المستثمرين وتحولهم الى أخذ المخاطرة بفضل تأثير الاتفاق التجارة التاريخي بين واشنطن وبكين»! هذه العبارة ستراها دائما عند الصعود.
وكذلك الهبوط له تبريره الخاص بأنه «غموض حول مصير اتفاق التجارة دفع المستثمرين الى بيع الأسهم»، وهي عبارة أخرى ستجدها عند كل نزول. فرغم ألم الخسارة، إلا أن وقع هذه العبارة مريح على مسمع المستثمرين، حيث تعطيهم تفسيرا لخلفيات الهبوط وتقنعهم بأن العملية ممسوكة وحقيقية، وما عليك إلا المشي وراء السرب.
وراقب مثلا «المشكلة» عندما تستقر البورصات، فهنا لا يوجد من يتبنى هذه الحركة العجيبة التي توقف فيها عالم المال عن الصعود والهبوط، حيث إن محللي الأسهم الذين يفتون مع كل صعود وهبوط، يخشون الظهور وقت الاستقرار، وسمعتها كثيرا من أشخاص كنت أتصل بهم للاستفسار عن البورصة وأحوالها، فيقولون لي «أبعدنا عن التحليل اليوم فلا شيء نقوله في البورصة».
إذا هناك درس اقتصادي تتعلمه في 2019 بعد مراقبة أحداث نزول وارتفاعات الأسهم في هذه السنة، أن تدخل هذا الملعب يعني أنك دخلت في سيناريوهات الصعود والهبوط الدائمة، والتبريرات التي تلحقها، والتفاؤل القليل والتشاؤم الكثير.. والحذر. لذا ستظل قلقا، وخائفا على مالك في حال أردت أن تحذو حذو المجريات اليومية.
وحتى صندوق النقد والمؤسسات الاقتصادية الدولية وبيوت الأبحاث والدراسات لن تقول لك كلاما نهائيا، فهي أيضا تحت ضغط الآنية لتدلو بدلوها، وتغير كلامها مع كل تحول صعودي ونزولي. فعندما بدأت الحرب التجارية الأميركية- الصينية حلل الجميع الوضع بعبارة واحدة «ركود عالمي»، وعندما أعلن الاتفاق التجاري بين البلدين، كان التحليل بعبارة واحدة أيضا «عودة النمو». أين السحر في هذين التحليلين، هل كان أحد يتوقع العكس مثلا؟!
الخلاصة، ودرس 2019، لا تمشي وراء قطيع الصعود والهبوط، شغل تقديرك وتقييمك الخاص للأسهم التي استثمرت فيها، وأصبر للمدى البعيد، أو ضع هدفا واضحا من البداية لحجم الخسارة التي يمكنك أن تتحملها، وما العائد الذي يرضيك!
boumeree@
[email protected]