في الآونة الأخيرة ظهرت الكثير من العبارات على وزن «لنتعولم» كما لو أن العولمة شيء محمود ورائع، فعندما نبحث عنها في مصادر البحث العالمية سنجد أنها انفتاح الثقافات وتأثرها ببعضها البعض، وفي بادئ الأمر قد تكون هذه العبارات ذات طابع رنان وجميل، ولكن بعد أن يزول الذهول الذي يسبق الثواني الأولى من القراءة سنعي أن العولمة هي أشبه بممحاة للماضي والحاضر والمستقبل فلم يكفهم هذا العصر الذي يخلو من السديم الداخلي، عصر تهيمن فيه الأشياء والشيئية والتشييء وموت التفوق والنبوغ، بل حتى إن رغبة الإنسان في استقصاء المجهول قد تعرضت للتهميش وأصبح بنو البشر يفضلون الانقياد على القيادة.
العولمة هي دفع العالم لجعل يوتوبيا العالم الرتيب جزءا من الحقيقة فكما كانت ومازالت الشيوعية «جنة العمال» فهم يريدون أن يجعلوا من العولمة جنة على الأرض، وهم ليسوا تافهين بالدرجة التي تدفعهم إلى اعتناق فكر أفلاطون «المدينة الفاضلة» والذي قاموا بنقده من خلال سلوكياتهم التاريخية التي كانت قائمة على نبذ الحرب أولا ومن ثم افتعالها ثانيا، ولكنهم يعلمون جيدا أن هذه المعادلة ليست لها إلا نتيجة واحدة وهي موت الإنسان.
وقد يروج البعض أن الديموقراطيات هي في طبيعتها حاملة للسلام ولكن هذا المنطق المعلن لن ولم يتوافق مع التحليل لذلك وإن ظهرت العولمة بمظهر السلام فهي مجزرة أكبر من أي مجزرة حصلت في التاريخ، ففي السابق يموت الفرد بطلق ناري وتنتهي حياته عند هذا الطلق ولكن العولمة هي بمنزلة موت الإنسان داخليا على أن يكون حيا في مظهره الخارجي، فلا يصبح لدينا بشر بمفهوم البشر الحقيقي بل أدوات.
لذلك نظرية العولمة أو الـ«هاكو إشيو» والتي تعني «العالم كله، تحت السقف ذاته» أو أي مصطلح آخر يدخل ضمن هذا المفهوم ما هو إلا دمار على هيئة حياة باعثة باليأس.
في المجتمعات التقليدية يجب أن يغير الضحايا المهزومون ثقافتهم أو دينهم وهذا ما يسعى إليه الغرب فهم يعلمون أن ديننا وثقافتنا اللذين لا نقرأ منهما شيئا هما سلاحنا الوحيد.
كان الجنرال الألماني فون كلايست يقول للألمان عن الفرنسيين «اضربوهم إلى أن يموتوا! لن تعاقبوا يوم الحشر»، وها هو نفس الخطاب يتم شحذه الآن وصقله نحو عالمنا العربي فتصريحات الكثير من الشخصيات الغربية في الأيام التي مضت عبارة عن إشارة واضحة على إباحة دمنا في آسيا وأفريقيا وما العولمة إلا نهج لجعلنا نحن والعالم كله يتحرك وفق منظومة واحدة، وهي أن تكون «الأداة» وأن يصبحوا هم من يحركون خيوطك فينتقلون من مرحلة التحكم بالقادة إلى التلاعب بالشعوب.
[email protected]