تدمير عشوائي، أو لعله مبرمج، للغة العربية الفصحى، بل واللغات الأخرى، من خلال ما يسمى بدبلجة المسلسلات الأجنبية، وللأسف برعاية قنواتنا الفضائية العربية، حتى تلك المميزة منها!
قبل سنوات، كانت المسلسلات المكسيكية تعرض على الفضائيات العربية مدبلجة بالفصحى السهلة المهضومة، وبمخارج حروف واضحة وتشكيل نحوي سليم، وكانت تفي بالغرض جدا.
أما الآن صارت المسلسلات الأجنبية تدبلج باللهجة السورية المحلية، لم يسلم منها مسلسل تركي أو مكسيكي أو أميركي، بل طال المسلسلات الهندية بشكل سمج ممجوج، شوه اللغتين: المنقول منها والمنقول إليها.
بالله عليكم مسلسل هندي يدبلج باللهجة السورية؟ كيف ذلك؟ أو برواية العراقيين «كلّش ما ترهم!» ارحمونا!
ربما كانت الدبلجة هي أسهل وأسرع الأساليب وأقلها تكلفة بالنسبة لمستوردي تلك المسلسلات الأجنبية وموزعيها على القنوات الفضائية النهمة دوما بشراهة وشهية مفتوحة ليس لها حدود لأي مادة تملأ المساحات الشاسعة في تلك القنوات المنتشرة في فضاء الإعلام كالنار في الهشيم، كي تبقى على خط المنافسة مع مثيلاتها، ولإشباع رغبات جمهور بلغ به الترف الفكري والفراغ الوجداني مبلغا لم يعد معه يرفض أي شيء معروض، غير مبالٍ بقيمته أو رسالته، خاصة إن كان هذا المعروض من الصنف الذي يدغدغ المشاعر الجياشة لديه بالطبع على الدوام، وتاه دليله أمام كثرة وتشعّب الخيارات المعروضة أمامه بتنامي أعداد الفضائيات، لينطبق عليه المثل العربي «تكاثرت الظِّباءُ على خراشٍ فما يدري خِراشٌ ما يَصيد»!
ومع تفشي تلك الدبلجة الماسخة أضعنا فرصًا ذهبية لتعلّم اللغة الأصلية للمسلسل، والأهم من ذلك أننا خسرنا مجالا واسعا لتعزيز اللغة العربية الفصحى كان سانحا لنا لو تمت ترجمة المسلسلات بالفصحى مكتوبة أسفل الشاشة مع الإبقاء على لغة الحوار الأصلية؛ وليس كما هو الحال حيث بتنا لا نسمع فيها إلا مفردات سورية غارقة في المحلية مثل «أَوَّصُوه لَلزلمة»، «شو هالحكي»، «هَلّأ من كل عَألك عم تِحكي؟»
حقيقة لا أدري إلى متى يستمر هذا الوضع المزري؟ ومتى نستيقظ من سباتنا لننقذ ما يمكن إنقاذه من لغتنا الغالية الحبيبة؟ لكني ورغم كل ذلك واثقة أن الغيرة عليها لم تمت بعد في قلوب الكثير بل الكثير جدا من أحباب لغة القرآن، وآمل أن نبادر بسن تشريعات جادة تصون اللغة وتعززها وتنشرها عبر كل وسيلة متاحة، حتى وإن كانت تلك الوسيلة.. مسلسلا تركيا.
email: [email protected]
twitter: dahshaton