بداية، أنا فخورة بهذه الصروح الثقافية الشامخة الآخذة في الازدياد والتوسع في الكويت: مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، مركز الشيخ عبدالله السالم الثقافي، مركز اليرموك الثقافي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، المكتبة الوطنية، دار الآثار الإسلامية وغيرها من مكتبات ومتاحف ومجالس ثقافية.
وحديثي اليوم عن دار الآثار الإسلامية، هذه المؤسسة الثقافية البديعة التي كانت نشأتها ذات بعد محلي ونشاط مقتصر على إدارة مجموعة فنية يمتلكها الشيخ ناصر صباح الأحمد وزوجته الشيخة حصة صباح السالم، تضم ما يربو على 30.000 تحفة، مثلت العالم الإسلامي من الصين شرقا حتى إسبانيا غربا، وتمت إعارتها لحكومة الكويت. ثم تطورت إلى مؤسسة ثقافية تحظى باعتراف دولي.
أتابع أخبار هذه الدار على مواقع التواصل الاجتماعي، فيبهرني ما تقوم به من فعاليات فخمة وأمسيات راقية تتناول مناحي الثقافة كافة من تاريخ وفن وموسيقى عبر تنظيم ورش وندوات وبرامج تدريبية وأخرى لأبحاث الحفائر والآثار، فضلا عن برامج موجهة للأطفال. ولا تتوانى عن استقدام أشهر الخبراء والمختصين في هذه المجالات لإثراء الساحة الثقافية في الكويت وتعريفنا بالمكانة الحضارية والعلمية الرائدة للأمة الإسلامية وتراثها العظيم إبان العصور الذهبية لمجدها. وهذا بالطبع جهد مشكور يستحق به القائمون على الدار كل ثناء وتقدير ودعم.
لكن لي عتاب وهو عتاب محب، نابع من غيرتي على لغتي التي هي هويتي، فأكثر من محاضرة وأكثر من فعالية نظمتها دار الآثار الإسلامية في موسمها الثقافي الحالي، ورغم أن محورها الحضارة الإسلامية، ومنعقدة في بلد عربي، والحضور جله، إن لم يكن كله، من الكويتيين وسائر العرب، إلا أنها تقدم بالإنجليزية. بحثت عن تبرير لهذا فلم أجد! كلنا مهتمون بحضارتنا وتراثنا، ونسعد أن يزورنا أجنبي درس الحضارة الإسلامية بعمق وبتمعن واحترافية، لكننا نفاجأ بتقديمه المحاضرة باللغة الإنجليزية دون وجود ترجمة عربية فورية!
لا أظن أن الدار تنقصها الإمكانات للاستعانة بمترجم فوري للمحاضرة كي يستفيد الجميع من فحواها هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، فهذه المؤسسة ليست مجرد دار آثار، بل هي مرجعية ثقافية مؤثرة في المشهد الثقافي للبلد، ولذا فإن المسؤولية المجتمعية والوطنية والقومية تحتم عليها صون الهوية الثقافية والارتقاء بالصورة الذهنية عن اللغة العربية، ما ينعكس إيجابا بكل تأكيد على تعزيز اللغة العربية التي تواجه تقهقرا لا يخفى على أحد بسبب طغيان اللغة الإنجليزية عليها، ما يهدد بتغريب لغتنا الأم وإقصائها عن ألسن أبنائها.
بل إن الاهتمام بلغتنا سيثير إعجاب الزوار الأجانب للدار حين يلمسون الاعتزاز بلغتنا والحرص على حضورها في كل المحافل، سواء على لسان المحاضر أو المترجم له.
يقول الأستاذ جاك بارا: «اللغة نظام فكري وبنية، ويمكن للإنسان أن يتقن نظامين وثلاثة بتميز، لكنه إن لم يبدأ بالنظام الأول الذي يكون روحه الثقافية كإنسان، فإنه لن يغنم من إتقان اللغات الأخرى إلا فقدان الهوية، والاقتلاع والضياع. أنا فرنسي وأتقن الإنجليزية، وأتقن أيضا أن أفكر فيها علميا وبحثيا، لكنها لا يمكن أن تكون لغة أقدم نفسي بها، أي لغة روحي! لا يمكن لأمة أن تنهض بلغة أخرى، كما لا يمكن للروح أن تعيش في جسد غير جسدها».
فآمل ألا نكون نحن أقل غيرة على اللغة العربية من غيرة الفرنسيين على اللغة الفرنسية.