«أصرت أمي على إدخالنا مدارس حكومية لتعزز فينا الشعور بالانتماء للكويت لغة ودينا».
«حين نكون في الكويت ترفض الوالدة أن نتحدث بأي لغة غير العربية».
هذا ما قالته د.أنوار الإبراهيم، التي تشغل حاليا منصب مساعد مدير مشروع جامعة الشدادية في الكويت، خلال اللقاء التلفزيوني معها عبر برنامج ليالي الكويت.
إلى هنا ربما يبدو الأمر عاديا، لكنه يتخطى ذلك ولا يظل عاديا عندما نعرف أن هذه الأم الحريصة جدا على غرس حب اللغة العربية والاعتزاز بها في نفوس أبنائها الأربعة، إيطالية الأصل والمولد والنشأة! إيطالية لكنها التحقت بفصول محو الأمية في الكويت لتتعلم العربية وتتقنها من الأساس، ما يمكنها من متابعة دراسة أبنائها وسير تحصيلهم الدراسي، وحتى لا تشعر أنها أجنبية في هذا البلد الذي اختارت برضاها الارتباط بمواطن من مواطنيه وأحبته، فأرادت أن تثبت له وللمجتمع الكويتي أنها قادرة على تربية أبناء صالحين كأي أم كويتية عربية مسلمة، حتى لو لم تكن كذلك.
الأعجب من هذا وذاك، أنها ورغم كونها مسيحية انحدرت من أسرة متدينة ومتشددة، فأبوها قسيس وخالتها راهبة، ورغم أنها لم تغير ديانتها بعد زواجها بمسلم، إلا أن ذلك لم يحل دون اهتمامها بتنشئة أبنائها الكويتيين على حب الله وطاعته كما وردت بالإسلام، والالتزام بالعبادات والفرائض من صلاة وصيام، حتى إنها كانت تصوم رمضان مع أبنائها رغم أنها ليست ملزمة بذلك، لكن تشجيعا لهم، وتحتفل بالأعياد الإسلامية معهم، بل وتضحي بالاحتفال بالمناسبات الدينية الخاصة بالمسيحيين، حرصا منها أن يترعرع أبناؤها في جو إسلامي صاف لا تشوبه شائبة! لم تفعل ذلك إيمانا منها بالإسلام، بل لقناعتها الراسخة بأن المرء كي يكون مواطنا منسجما مع مجتمعه مرتاحا بالعيش فيه، لابد أن يتحدث بلغته ويدين بدينه، وبأن من لا يحترم هويته لن يحترمه الآخرون.
بالتأكيد هناك الكثير من الأمهات الكويتيات يحرصن وبشدة على تنشئة أبنائهن تنشئة عربية إسلامية سليمة. لكني هنا أقارن هذه الأم الإيطالية مع أولئك اللاتي يتشدقن بطلاقة اللغة الإنجليزية على ألسنة أبنائهم، واحتلالها مكانة اللغة الأم بدلا من العربية التي يرينها لغة خاصة بالطبقات الدنيا من المجتمع! أقارنها بمن لا تهمهن مقاييس الهوية والانتماء، ولا يفكرن بذلك التشرذم القادم إلينا لا محالة إن نحن انسلخنا من هذه الهوية، فلا ينفعنا آنذاك التصاقنا الذليل بهوية أجنبية لا تحترم من لم يحترم هويته ولم يعتز بها.
أما الحجة التي يبرر فريق من الأمهات والآباء بها إحلال الإنجليزية مكان العربية، والتي أراها حجة واهية، فهي أن الإنجليزية سهلة والعربية صعبة! ليس هناك أعقد من اللغة اليابانية والصينية، لكن ذلك لم يمنع تلك الشعوب من التمسك بلغتها تداولا وتحاورا وتواصلا، ووفاؤها لهويتها لم يكن عائقا أمامها لتتصدر العالم بإبداعاتها وعلومها وإنجازاتها.
وإلى حين صحوة تعيد للغة العربية ما تستحقه من إكرام وإجلال، أقدم تحية كبيرة لماريا ولكل أم تدرك معنى الهوية والانتماء والعزة والكرامة.