اعتاد الكثير منا نحن الأمهات والآباء، القيام بتصحيح الأخطاء الإملائية أو النحوية أو اللغوية لأطفالنا بشكل مباشر وفوري، ظانين أننا بذلك نسدي صنيعا طيبا لهم بتعديل ألسنتهم ولغتهم منذ نعومة أظفارهم، لكنه في الحقيقة سلوك خطأ قد يضر الطفل ولا ينفعه، وقد تتعطل لغته وقدرته على الحديث بعكس ما أردناه وتمنيناه له، فنحن نتدخل في عملية يفترض أنها تحدث تلقائيا في مرحلة يريد فيها المخ الامتلاء بمفردات لغوية تمكن الطفل من التعبير عن نفسه بطلاقة واطمئنان دون الخوف من خطأ في النطق يلام عليه أو يستهزأ به منه. الطفل كي يحسن الحديث والتعبير عن نفسه، يحتاج الى أن يطلق له العنان ويمنح مساحة بلا حدود أو قيود في الكلام، ودون إعارة اهتمام لأي خطأ إملائي أو نحوي، فمع الوقت وتلقائيا سيكون حديث الطفل أكثر تنظيما وانضباطا وتركيزا في استخدام المفردات.
هذا ما أنادي به دوما وأحث عليه في مناسبات عدة من حولي من الآباء والأمهات. وجاءت مجلة يونجه فاميليه الألمانية لتؤكد ما ذهبت إليه «بأنه من الأفضل عدم قيام الآباء بتصحيح الأخطاء النحوية لأطفالهم طوال الوقت حتى وإن شعروا بحاجة ملحة لفعل ذلك. وأن الإشارة لمثل هذه الأخطاء ستثبط عزيمة الطفل وتجعله يشعر بأنه غير كفؤ أوغير مؤهل».
ما يحدث عند لوم الطفل على الأخطاء أنه سيبدأ بالانتباه لمفرداته والحذر في استخدامها والقلق من الخطأ في نطقها، ما قد يعرقل عملية التعلم أو ينحرف بها فتتعثر، وبالتالي تضعف قدرته على التعبير والتواصل. بينما لو تغاضينا عنها في تلك المرحلة المبكرة فستختفي من تلقاء نفسها مع الوقت، في الظروف العادية.
إن أردنا فعلا مساعدة الطفل على التعبير، فعلينا الاستماع إليه باهتمام وليس بانتقاد، بعطف وليس بتربص، بحب وليس بحكم. فهذا ما سيمنحه أرضية ثابتة من الحرية يقف عليها بقدميه الصغيرتين واثقا لينطلق بالتعبير عن أفكاره ومشاعره وما يختلج في صدره بكل اطمئنان، حتى وإن كان يشوب حديثه أخطاء نحوية أو مخالفات لغوية، لأننا حين نعاتبه على أخطائه فكأننا نعاتبه على التعلم، بل وكأننا ننفخ على جذوة الثقة لديه فنطفئها دون قصد منا.
وليكن في معلومنا جميعا أنه من السهل توجيه الطفل وتقرير خط سيره، لكن التحدي والصعوبة يكمنان في جعله إنسانا مستقلا بفكره يعبر بحرية ووضوح عن أفكاره ومشاعره، ولعل التغافل عن أخطائه في اللغة أحد الطرق المؤدية الى تلك الغاية.
dahshaton@