تأتي أهمية مركز شيخ الأزهر من حاجة المسلمين في كل بلد إلى نموذج يمثل القيم الإسلامية، فكيف إذا كان هذا البلد هو مصر بما لها من وزن ثقيل في حال الأمة الإسلامية، الأمر الذي يجعل لهذا المنصب موقعا بالغ الأهمية وأيضا الحساسية في ظل أجواء الاستقطاب بين التشدد والوسطية التي يعيشها العالم الإسلامي، ولن تكون مهمة الشيخ الجديد للأزهر سهلة في ضوء هذا الواقع الذي يتطلب من الطرفين الكثير من الواقعية، الطرف الأول هو الحكومة التي يجب ان تقبل بنموذج مستقل لشيخ الأزهر لا يعتبر امتدادا للإدارة الحكومية، وأن يترجم ترتيب هذا المنصب بما يعادل «رئيس وزراء» إلى واقع يشعر به المواطن المسلم في مصر وخارجها، على نحو ما عرفه الأزهر من علمائه الأوائل في منتصف القرن الماضي وما قبل. الطرف الآخر هو الشارع الإسلامي الذي لا يجوز أن يعرض العلماء بشكل عام إلى حالة «فتاوى على الهواء» وما نشهده من فوضى سببه الأول هو وسائل إعلام تبحث عن الإثارة سواء تحققت عبر تلك الفتاوى أو صور إغراء فاضحة، التسويق يتطلب التشويق بغض النظر عن التكلفة، هذا الشيء غير مقبول جملة وتفصيلا.
إضافة إلى الجانب الشخصي لشيخ الأزهر هناك الاستقلال المالي لهذه المؤسسة فقد كانت للأزهر أوقاف مالية ضخمة استخدمها بالخمسينيات والستينيات في ابتعاث علماء الى جنوب شرق آسيا وافريقيا، ومن اللازم استرجاع تلك الاوقاف واظهار تأثير ذلك على مستوى التعليم داخل الأزهر وفي المؤسسات التابعة له والمبعوثين، وهذا بالطبع سيعزز من تأثير الفتوى الصادرة عنه بموجب نأيه عن تأثير الجهات الحكومية التي تتولى الصرف عليه (...).
لقد عاش العالم الإسلامي فراغا كبيرا في القيادة الدينية وقد تولت جهات غير مأمونة سد ذلك الفراغ ولا يمكن لوم تلك الجهات دون البحث في سبل سد الفراغ، وإذا فشل الأزهر في القيام بهذا الدور فإن التكلفة الفكرية والأمنية ستتضاعف عما هي عليه الآن رغم فداحتها حاليا، وحسبما يعتقد البعض فإن المسؤولية عن سد ذلك الفراغ يتحملها العلماء قبل الحاكم، واليوم نحن أمام فرصة جديدة لرؤية عالم إسلامي يجمع الطرح المستقل من الناحية السياسية والمعمق من الناحية الشرعية والمتزن من الناحية الشخصية، فلا يسهل استدراجه مثلما يحدث بشكل متكرر على شاشات الفضائيات وصفحات الصحف.
نسأل الله التوفيق للدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وأن يسدد خطاه، وأن يجعله من العلماء الذين تفخر بهم الأمة ويعلون شأن هذا الدين.
كلمة أخيرة:
أصابت مصر في زمن الخديوي إسماعيل أزمة اقتصادية فادحة، فطلب من شيخ الأزهر أن يدعو الله لهم بالخروج منها، ثم رآه بعد فترة والأزمة على حالها، فقال له الخديوي «هل أنتم علماء الأزهر الحقيقيون؟ هل دعوتم الله لنا بالفرج؟ إذن لماذا لم تنته الأزمة؟».
فقال الشيخ: نحن علماء الأزهر، وقد قرأنا قبل أن تزورنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم «لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم».
[email protected]