فيصل الزامل
جـولة ســريعـة بين الـتطبـيــقـات الديموقراطية قـد تكون مفيدة، فـفي تركيا اســتـجــاب الجـمــيع لنـداء الصندوق الانتخـابي بعد فشل عـقد جلسة انتـخاب الرئيس، بســبب النصـاب، وانســحـاب مرشح الحكومة التـركية، في الصين رأينا تطبيقـا آخر للديموقراطية جـمع الأحادية الحـزبيـة المغلـقـة إلى جـانب الحـيـوية الرأسـماليـة، واجتـاز المنعطف الروسي، بسـهولة، حـيث تقبلـت النخب الصينيـة المعـارضة بقـاء النظام الحزبي الأحادي، مـقابل دفع المسـار التنموي وفـتح أبواب البـحث العلمي والجـامعي مع رفع سـقف حرية التعبير، الأمر الذي دفع الصين نحو المركز الرابع في الاقتصاد العالمي، ومنحها خصوصية ديموقراطيـة فاجأت الباحثين في التـطور الطبــيــعي للمــمــارســة الديموقـــراطيـــة التي تحـــدث في ظل الانتقــال من الاقتـصاد الريعي التوزيعي القائم على التخـطيط المركزي، وصولا إلى الاقـتـصـاد الإنتاجي التـنافـسي، حـيث اخـتارت الصين الوصـول إلى هذا الوضع بشكل متدرج.
نموذج آخــر، نجـده في الـتـجــربة اللاتينيــة الامـيـركـيـة، حــيث أفرزت انتـخابات ديموقـراطية شـفافة ونزيـهة أنظمة شعـبوية ثورية راديكالية، في بلاد شــهـدت في الـسـبــعـينـيـات اعــتى الديكتاتوريات العسكرية، ومع ذلك ولدت الديموقــرطيــة الجــديدة اثر تحــالف المؤسسـة العسكرية الحـاكمـة مع القوى السياسية المناوئة لها.
هذا التـحـالف المصلحي أخفى تحتـه شبكات الفسـاد المالي والإداري لتتحكم في الاقتصاد بعـد أن تحررت الدولة من أعباء تســيـيـر القـطاع العـام، وتخـلصت من وظائفها في الرعـاية، ما انعكس سلبا على الأوضاع المعيشية للسكان.
هذه التجـارب المتنوعة التي استـهدفت المزاوجـة بين الممـارســة الديموقـراطيـة والتنمـيـة، وتنقلت بين النجـاح والفـشل تعطينا مؤشرا صريحا بوجوب التأني في تحقـيق تلك المعـادلة، فالهـدف المعلن هو العدالة، وعـلامته الفارقة هي نمو الـطبقة الوسطى على حـساب الـغنية والفـقيـرة، وتقليل حـجم الفارق مع الطبـقة الغنـية، وتقليص الطبقة الفقيرة في المجتمع.
هذا الهدف لـم يتحقق في روسـيا عـبر الفــوضى، وفي الصين ازدادت الـطبـقــة الغنية في بلد المليارين وهي زيادة نسبية، يقـابلها نمو ضـخم ـ أيضا ـ في الطبقـة المتوسطة مع زيادة معدل الادخار.
نحن في مـنطقــة الخليج نتطـلع إلى إصلاحات سـياسية تحـقق أقصى المنافع، فمـا هي أهمية التغـيير في المسمـيات، إذا ازداد الفـسـاد وتمكن أربابه من ترويض الآلة الديموقـراطية لتـحقـيق أغراضهم، وهو ما يوضحـه جليا النموذج اللاتيني؟ هل نريد «ديـكورا» نتــبـاهى بـه، وتلوك الألسن عـبـارات لا واقع لهـا في التطبـيق الفعلي؟ إن القـبول بالسلطة الحـازمة يفـرض تغـيـيـرا في النظـرة إلى الديموقـراطيـة الطوباوية، التي تـشبـه أسلوب التكفـيـر واحــتكار الحق الإلهـي، ومنح البــعض صكوك الغـفران، وحيـازة مفـاتيح أبواب النيران.
في النموذج الصـيني توفيق يسـتحق النظـر بين المطلـبين، الأمر الذي لـم يكن ليتحـقق بغير قبول رسم معـالم الممارسة الديموقراطية باختيار ذاتي، غير مفروض أو مدفوع لغايات تسلطية تؤدي لاستبدال ديكتــاتورية حـاكم بـأخـرى تتناولـهـا عـشـرات الأيدي من جـيل إلى آخـر، ومن سيئ إلى أسوأ.
الجـوهر أهم من المظهـر، والتطوير إلى الأحسن يفرضـه التفـكير الرشـيد، ومـا يحـدث من تخندق هو تفكيـر سقـيم نجت منه أمم فـتقـدمت، وسقـطت فيـه غيـرها، فتحطمت.